رواية الممر لممدوح الشيخ
جديد ممدوح الشيخ.. مرشحة لبوكر العربية
الكتاب: الممر.
المؤلف: ممدوح الشيخ.
الناشر: مكتبة بيروت (مسقط/ القاهرة)
الحجم: 156 صفحة من القطع المتوسط
تاريخ النشر: 2009.
"الممر": قطعة من جحيم الحرب الأهلية الرواندية
عن مكتبة بيروت (مسقط/ القاهرة) صدرت رواية "الممر" للكاتب المصري ممدوح الشيخ في 156 صفحة من القطع المتوسط. الرواية تدور أحداثها في أجواء الحرب الأهلية الرواندية (1994) حيث يصل بطلها المصري (صالح فاروق) إلى مطار كيجالي الدولي قادما من باريس ليلتحق بالفرع الرواندي لشركة تعدين فرنسية، حيث كان يعمل مترجما في مقرها الرئيس في باريس.
وبمجرد وصوله المطار تبدأ الأحداث المثيرة بالتلاحق بدءا من انفجار الطائرة التي كانت تقل الرئيس الرواندي جوفنال هابيريمانا. وفجأة يجد البطل نفسه في سيارة تنطلق بسرعة جنونية خارج العاصمة هربا من الاضطرابات العرقية الدموية التي أطلقها اغتيال هابيريمانا. وفي أول حوار يجريه مع سائق السيارة بعد توقفها في استراحة صغيرة على الطريق يكتشف أن نقله من باريس لم يكن مصادفة وأن صديقا روانديا من الجبهة الوطنية المعارضة لحكم هابيريمانا لعب دورا في نقله أملا في أن يصبح مصدرا للمعلومات بعد أن يصبح انتقاله لرواندا أمرا واقعا لا مفر منه.
ومع إحساس عميق بالرعب من العنف الذي انطلق بعد دقائق فقط من اغتيال الرئيس الرواندي يجد البطل نفسه وقد سقط في هاوية سحيقة، بعد أن كان خروجه من مصر لفرنسا، وتاليا من فرنسا لرواندا، يبدو طريقا معبدا للثروة.
ومع إغلاق المطار الدولي وحدود البلاد لا يكون أمام صالح مفر من الانخراط تدريجيا في أجندة الشخص الوحيد الذي يعرفه (السائق جورج داماس)، وبناء عليه يسلمه داماس ملف أوراق عن خلفيات الأزمة في رواندا لتكون محصلة القراء أن يلوذ صالح باليأس بوصفه "إحدى الراحتين". وخلال مسار التغريبة المخيفة يتأرجح البطل بين التكيف ليستطيع الاستمرار والأمل في الإفلات من الفخ، فيما الدماء تحاصره.
ويمر صالح خلال أيام معدودة بتجارب غرائبية بعضها له خلفيات وثائقية من الوقائع الحقيقية للحرب الأهلية الرواندية. ففي طريق الهرب من المجهول مع رفيقه الوحيد يفاجأ صالح بصديقه جين بول الذي دخل البلاد فجأة متسللا بعد اندلاع الحرب الأهلية ويتمكن صالح لأول مرة من النوم في مكان غير السيارة، حيث ينتقل مع جين إلى "أكازو" وهو بناء أنيق كان يجتمع فيه قادة التنظيم السري الذي كان يحكم رواندا في عهد هابيريمانا وكشفت وثائق بعض السفارات الغربية التي تم اقتحامها ونشر وثائقها، وفي "أكازو" يجد صالح نفسه أمام "ضابط اتصال" فرنسي لعب دور همزة الوصل بين التنظيم السري والدولة الفرنسية وتحدث مساومة مثيرة بين الطرفين: "حياتي مقابل الحقيقة"!
لكن الحقيقة التي يتم الخصول عليها بمقتضى الصفقة تأتي بما لم يتخيله الجميع: مخطط معد مسبقا متعدد الأطراف لتنفيذ واحدة من أبشع عمليات التطهير العرقي في التاريخ. ويفقد صالح كل إحساس بالأمل ويجفه التيار بقوة....
بعد صدمة الصفقة يقرر صالح وجين التوجه لأقرب معسكر لقوات الأمم المتحدة بأمل تقليل حجم الكارثة وفي الطريق يواجهان حقيقة أن الكارثة وقعت بالفعل، ففي الطريق يتساقط المطر ويتحول الطريق المظلم إلى ما يشبه اللوح الزجاجي الضخم مع انعكاس إضاءة السيارة على سطح ماء المطر التجمع من على التلال، لكن الماء بعد قليل يتغير لونه فيما يلتفت جين إلى صالح قائلا إنهما يسيران في نهر من الدم، فماء المطر سقط على دماء غزيرة متجلطة في مكان ما وحملها معها إلى الطريق الذي يشكل منخفضا بين تلال. ومع تتبع الدم يعثران على واحدة من أكبر المقابر الجماعية في رواندا ويشاهدان بأعينهما جنودا فرنسيين يدفنون القتلى في مقبرة جماعية ويقومون بعمل مقصود لإخفاء آثار المقبرة الجماعية.
ولم تتوقف الصدمات المتلاحقة فقد لمح صالح شيئا يلمع بجوار إطار السيارة وعندما يتأمله يجد أنه سوار أهداه جين بول منذ سنوات في عيد زواجهما وتعقد الدهشة لسانه ولا يقوى على مصارحة صديقه بأن جثة زوجته توجد في هذه المقبرة الجماعية.
يخفي صالح السوار ويتحرك مع جين عائدين إلى أكازو ومعهما الشخص الوحيد الذي نجا من المجزرة (وهو شخصية رواندية حقيقية). ومع وصول الجميع قاع اليأس يأتي الخبر بسقوط العاصمة كيجالي في يد المعارضة يتجه صالح وجين إلى كيجالي بأمل أن يغادر مع عودة المطار الدولي للعمل. ومع أنباء إلقاء بعض جثث ضحايا المجازر في نهر النيل يجتاح صالح شعور كاسح بالرغبة في مغادرة رواندا بأي وسيلة، وبطلب من جين بول يبقى صالح ليومين لترجمة وثائق حصلت عليها الجبهة الوطنية الرواندية من سفارات غربية.
بقراءة الوثائق يكتشف صالح أن المجزرة تمت بسلاح من مصدرين: مصر والصين، وفي اللقاء الأخير بينه وبين جين يكشف له جين عن أن السلاح الصيني كان مناجل وسواطير بينما السلاح المصري كان أسلحة نارية، وعندما اشتعلت الأحداث كان بعض الضحايا يجمعون كل ما يملكون ليفوزوا بموت رحيم "بالرصاص"، وبالتالي أصبح هناك ممران إلى العالم الآخر: مصري وصيني، وأصبح أقصى ما يتمناه الضحايا المرور إلى العالم الآخر من "الممر المصري".