ديوان جراح على الدرب

د.عدنان علي رضا النحوي

ديوان جراح على الدرب

تأليف: د.عدنان علي رضا النحوي

 

هذا هو الديوان الثالث " جراح على الدرب " نعم ، إنّه على الدرب نفسه ، على صراط مستقيم ، إنه درب العقيدة والإيمان وسبيل البذل والإحسان ، بين أشواك وأزاهير ، ودماء ونفحات وعبير ، درب خطّه الله لعباده المؤمنين ، ونهج رسمه ربّ العالمين .

كان هذا الشعر رفيق رحلة طويلة ، بين سهولة وأودية وجبال ، وفياف وجنان ورمال ، على معاناة أمة ، وجهاد عقيدة . فمن " جندي جريح " إلى" أكواخ وأشلاء " ، ومن "خدر الهوى " إلى " أقدام حافية " ، ومن " وردة ودماء " إلى     " قواف مدماة " ، على " ملاحم التاريخ " . يضمّ ذلك كله " دعاء في جوف     الليل "، ووثبات في عضة الهجير ، وإشراقة الإيمان ، وبلال اليقين ، و" ذكرى الوفاء " ، و" أمل حلو " .

تراكضت الأحداث في هذه الرحلة الطويلة تراكض الخيل في السّباق ، وجرت تُتَابعها الأبصار والقلوب والأعناق ، أهوال تدفعها أهوال ، وجرت تُتَابعها الأبصار والقلوب والأعناق ، أهوال تدفعها أهوال ، وأمواج تعلوها أمواج  ، سريعة كأنها البرق الخاطف ، هدّارة كالسيل الزاحف ، مدمّرة كالزلزال الراجف .

لا تكاد تمسك بالقلم لتخط كلمة عن مصاب ، حتى يتلوه ألف مصاب ، وما ختمت الكلمة ، ولا جفّ المداد ، ولا وقف سباق ، ولا هدأ طراد . وما تنطلق صرخة من هول حتى يخنقها هول أشدّ ، فتُطْوى وتموت كأنّها بركان خمد ، مهما أسرعت بالكلمة ودفعت بالحرف ، فإنَّ الأحداث أسرع حتى تعجز عن وصف .

لا أظنّ أنّه مرّ على أمّتنا ظلمات أشدُّ من هذه الظلمات ، ولا روّعتها هجمات أعتى من هذه الهجمات . إنها غارة تحمل خبرة قرون طويلة ، وتجارب أحقاد مريرة ، ومكر قلوبٍ قد فرغت للمكر والكيد ، وتمكنت  وأحكمت القيد ، وأطبقت على العنق والزند ، حتى تكاد تشلّ كلّ حركة ، وتخنق كلّ نفس .

إنه ابتلاء وما أشده من ابتلاء ! اضطربت الموازين ، واختلطت الشعارات، وسقطت رايات ورفعت  رايات ، أمام أبصار تبرق أو تزيغ ، وقلوب تدق أو تروغ ، وخطوات مهزوزة على جهل وهوى ، وصمم وعمى ! جاهلية جهلاء !

( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور )

أمام هذا كلّه قد يعظم الخطب ، ويهول الرعب إذا انطفأ النّور ، وأطبق الظلام . أما إذا امتدّ نور الإيمان ، وتوقد شُعلة اليقين ، فإنَّ العزيمة تشتدُّ ، والجهل يُطوى ، والعيون تتفتّح ، والآذان تسمع ، والظلام ينزاح :

( … نورٌ على نورٍ يهدي الله لنوره من يشاء …)

وعندئذ تصبح للكلمة مكانها ، ومضاؤها ، وظلالها ، ونورها . وتظلّ الكلمة الصادقة ، الكلمة الطيبة ، الكلمة النافذة ، سلاحاً يشقُّ الظلمة ، ويمهّد الدرب ، ويدفع الخُطا ، في كلّ معركة ، وفي كلّ ميدان . وكلمة الحق هي كلمة التقوى والإيمان ، وأدب الحقّ هي أدب التقوى والإيمان .