النص القرآني عند محمد شحرور
النص القرآني عند محمد شحرور
9
ياسين سليماني
3- نموذج لتأويل محمد شحرور للقرآن (تأويل سورة القدر):
يقول محمد شحرور في هذا الباب أن مفهوم القدر جاء في اللسان العربي من " قدر" وهي تدل على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته، يقال " قدره كذا" أي نهايته، وبما أن محمدا (ص) هو خاتم الأنبياء والقرآن هو خاتم النبوات وفي عهد النبي (ص) وصل اللسان العربي إلى مرحلة اللسان العربي المبين فوصل إنزال القران إلى مبلغه وغايته.(1)
ثم لنأخذ مفهوم "ليلة" فهل هي الليل ؟ فإذا كانت ليلة القدر تعني الليل فالسؤال: في أي ليل هو ؟ هل هو ليل مكة أم ليل لوس أنجلس وكلاهما على الكرة الأرضية، حيث يوجد في الكرة الأرضية بشكل مستمر ليل ونهار وعلى هذا لا يستقيم المعنى، أما إذا فهمنا الليل على انه الظلام كقوله تعالى:"الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور". (2) فهذا يعني أن اللوح المحفوظ والإمام المبين لا يخضعان لمفهوم الليل والنهار، ولكن بما أن الظلام في الوجود سبق النور حيث انه بعد الانفجار الكوني الأول مرت المادة بعدة مراحل للتطور حتى أصبحت شفافة للضوء وظهر النور.(3)
هذا الإنزال حصل في وقت يقابله عندنا في الأرض شهر رمضان ولكن رمضان من أية سنة؟ لا ندري، لذلك عندما شرحها النبي (ص) في حديثه إن صح" العشر الأخير من رمضان " حددها ضمن برهة زمنية ولم يحددها في ليلة بعينها.
ليلة القدر هي مصطلح يعني صدور أمر رب العالمين بإشهار القرآن بلسان عربي مبين أي تم إنزال القرآن وجعله عربيا، ففي هذا انتقل إلى صيغة قابلة للإدراك الإنساني، أي أنه لم يعد سرا بل تم إشهاره.(4)
لذلك قال " ليلة القدر خير من ألف شهر" (5) وهنا الشهر لا يعني الشهر الزمني كأن نقول ألف شهر 83 سنة وثلث، ولكن هي – يضيف شحرور- من الشهرة والإشهار وهكذا يتطابق المعنى مع مفهوم الإنزال والجعل " إنا جعلناه قرآنا عربيا" .
وهنا كلمة " ألف" إما تعني أن إشهار القرآن خير من ألف إشهار أخر حيث في ليلة القدر لا يتم أمر إشهار القرآن فقط، أو " ألف" تعني تأليف الأشياء بعضها مع بعض كأن نقول الأليف والألفة والتأليف، فنفهم " ألف شهر " على أنه إذا جمعت كل الأوامر الأخرى الصادرة من رب العالمين و"تألفت" بعضها مع بعض فإن أمر إشهار القرآن خير منها جميعا ويؤكد شحرور أنه يميل لهذا المعنى.(6)
لقد جعل الله ليلة القدر بمثابة موسم لإصدار الأوامر كالعفو الخ...، ولهذا قال " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" (7)
ثم يطرح شحرور سؤاله التالي: هل ليلة القدر حصلت مرة واحدة عندما أشهر القرآن وجعل عربيا أم أنه موسم مستمر يتجدد في كل رمضان؟ هذا ما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى بقوله: " سلام هي حتى مطلع الفجر" (8)، أي أن هذا الموسم سلمه الله لنا وهو سالم يتجدد كل عام مادام هذا الكون قائما وسينتهي هذا الموسم بالنفخة الأولى في الصور وقيام الساعة حين يحصل الانفجار الكوني الثاني ليتشكل على أنقاضه كون جديد فيه البعث والحساب والجنة والنار، ولذا قال:" حتى مطلع الفجر"، أما فهم الآية على أن الفجر هو فجر الشمس "الصبح" فهو فهم ساذج.(9)
1- شحرور، الكتاب و القرآن، ص196.
2- سورة الأنعام، الآية 01.
3- شحرور ، الكتاب و القرآن ، ص197.
4- المصدر نفسه، ص197.
5- سورة القدر، الآية 03.
6- شحرور، الكتاب و القرآن ، ص198.
7- سورة القدر، الآية 04.
8- سورة القدر، الآية 05.
9- شحرور، الكتاب و القرآن ، ص199.