التصور الصهيوني في التفتيت الطائفي والعرقي

التصور الصهيوني في التفتيت الطائفي والعرقي

اللواء محمود شيت خطاب         عرض : عبد الله الطنطاوي

كتب اللواء خطاب هذا الكتاب عام 1987ولم تساعده صحته لمتابعة هذا البحث القيم الذي هدف منه إلى تحذير العرب والمسلمين من مكايد اليهود ،ليكونوا على بينة من أمرهم ، وحتى لا يقولوا يوماً : ما جاءنا من نذير ،فقد أنذرهم اللواء الباحث الاستراتيجي أكثر من مرّة ،ولكنّ قادتهم عموا وصمّوا ،ولم يستمعوا له ولم ينصتوا ،ليعوا صوت النذير العريان قبيل وقوع نكبة حزيران ،وقبلها وبعدها .

   وقد رجع بنا المؤلف إلى العصور القديمة ،واستعرض لنا مسيرة الغدر والخيانة لدى يهود منذ السبي البابلي الذي قام به نبوخذ نصر مرتين ضد اليهود ،ثم ما كان من استقرار قسم منهم في العراق القديم الذي أحسن إليهم سكّانه ، فأساؤوا ـ أي اليهود ـ إليهم ،وغدروا بهم ،وعملوا على تفتيت بلادهم وتمزيقها ،وحرّضوا أعداءهم عليهم ،وأغروهم بغزوهم ،ثم ساعدوهم في غزو العراق وتقتيل أهله واستعبادهم ،كل هذا من أجل إضعافه وإرهاق أهله ،لتكون لهم الغلبة عليهم .

   ثم انتقل بنا المؤلف إلى (مصاولة الإسلام والمسلمين في عهد الرسالة ) حيث ناصبوا النبيَّ العداء ،وأظهروا النفاق ،ولم يرعوا المعاهدة التي أبرمها الرسول القائد معهم بُعيد هجرته إلى المدينة .وقد أحصى المؤلف إحدى عشرة مكيدة لهم ،وضرب الأمثلة على تلك المكائد من المصادر الموثوقة ،كعهده في الأمانة والصدق فيما يروي من كتب التاريخ المعتمدة ..ولكنّ ردّ كيدهم في نحورهم ،وكانت مكايدهم سبباً في تخليص شبه الجزيرة من شرورهم وآثامهم .

  وتابع المؤلف (محاولات اليهود التخريبية على عهد الخلفاء الراشدين )فتحدّث عن دورهم في استشهاد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه،على يد أبي لؤلؤة المجوسيّ ، ودورهم في إثارة الفتنة على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ،والتي تولّى كبرها اليهودي ابن السوداء (عبد الله بن سبأ)الذي أعلن الإسلام وأبطن اليهودية ،ليفسد أهل البصرة والكوفة ومصر على عثمان ،وانتهت باستشهاده ،وتمزيق وحدة الأمة .وقد تابع ابن السود اء مهمّته التضليلية أيام الإمام عليّ ،رضي الله عنه ،فزعم أنّ عليّاً نبي ، ثم زعم للناس أنّ عليّاً إله ، وبعد استشهاد عليّ ،زعم أنّ عليّاً لم يُقتل ، بل رُفع إلى السماء كعيسى ، وأنّ الذي قُتل شيطان في صورة عليّ ..كما كان له دور في تمزيق شمل المسلمين ،بظهور الخوارج ،وبمقتل عليّ،وفي المعارك التي دارت رحاها بين المسلمين .

  وفي (مكايد اليهود عبر القرون )الأربعة عشر التي تلت عهد النبوّة ،تحدّث عن مكايد اليهودي ميمون القدّاح الذي ادّعى الإسلام ،وأسقط الفرائض عن أتباعه ،فلا صلاة ولاصيام لازكاة ولاحجّ ،كما أباح كلّ المحرمات ،فجوّز نكاح المحارم من الأمهات والأخوات والبنات ،ودعاهم إلى الانسلاخ من سائر التعاليم الإسلامية ،والضوابط الإنسانية ،ومكّن ،بالغدر والخداع ،للباطنية الذين انطلقوا يعيثون فساداً وإفساداً ،قتلاً وحرقاً وتدميراً واغتصاباً ،ويتعاونون مع الجيوش المعادية الغازية .

   وميمون القدّاح ـ هذا ـ يهوديّ متعصّب ليهوديّته ،وحبرٌ من أحبار يهود ،وكان عالماً بالفلسفة والتنجيم ،وكان صائغاً في بلدة (السلمية )أعلن إسلامه وأضمر يهوديته ،ثم ألحق نسب ابنه سعيد بنسب آل النبيّ ،وكان وأتباعه يتعاملون مع اليهود ،ويكلون إليهم أمورهم .

   وعندما جاء من بعده الفاطميون ،استوزره اليهود ،فظلم اليهود المسلمين .

   وتحدث عن الفتن التي أحدثها القدّاحيون ،ثم القرامطة ،والأرواح التي أزهقوها ،والأموال التي صُرفتْ ،والجهود التي بُذلت ،في سبيل إخماد تلك الفتن الشيطانية الباطنية التي أثاروها

لتمزيق الأمّة .

    وفي( مكايد اليهود في التسلل إلى السلطة )تحدّث عن المعاملة الطيبة التي عامل المسلمون بها اليهود ،لأنّهم أهل ذمّة ـ والذمّة تعني العهد والأمان ـ حتى تسنّموا مناصب رفيعة في الدولة العبّاسية ، ولكنهم غدروا بالمسلمين عندما جاء التتار واستولوا على بغداد ،فساموهم سوء العذاب ،وساعدوا على تقتيلهم والتنكيل بهم .

   وكذلك فعلوا في الأندلس ،عندما استطاعوا التسلل إلى مراكز السلطة ،فأثاروا الفتن ، وحاكوا المؤامرات ،وأوقعوا بين الأمراء ،وغدروا بأرباب نعمتهم .

   وتحدّث المؤلف عن مكيدة استخدام النساء للتأثير في الذين يريدون السيطرة عليهم ، وضرب الأمثال بسفر (أستير )وسفر (يهوديت)وبما كان منهم في العصر الحديث ،وبعد الهدنة عام 1948في فلسطين ،مع ضباط الأمم المتحدة ،من فرنسيين ،وهولنديين ، وبلجيكيين ،حتى صاروا جواسيس لدى الذين أغرقوهم بالجنس .

   وتحدّث عن لجوئهم إلى إنشاء الجمعيات السرّية ، من أجل تحقيق أهدافهم الخبيثة ، لأنهم قلّة ،ولا يستطيعون فرض هيمنتهم بغيرها ..

   وكان من أهم أهدافهم ،العمل على تجزئة أمم الأرض ، وإثارة الحروب والفتن بينها ،من أجل تمزيقها ،كما هدفوا إلى إفساد عقائد الشعوب ،وأخلاقها ، ونُظُمها ،وإبعادها عن أديانها ،حتى تفقد أهمّ عوامل قوّتها ، وأهمّ تلك الجمعيات : الجمعيات الماسونية بأسمائها الصريحة والمدلّسة ،كجمعية أبناء العهد ،والاتحاد اليهودي العالمي ،ومحفل لاينير إنترناشونال ،

والروتاري ،والليونز ،وكلّها واجهات للماسونية ،وتنحصر أهدافها وأنشطتها في هدم الدين والأخلاق والانتماء الوطني والديني ،واستشهد على ذلك بنُقول ونصوص من بروتوكولات

حكماء صهيون ، ومن توراتهم المزيّفة ، وتلمودهم ،وبأقوال ماسونيين معاصرين من يهود ونصارى لايخفون أهدافهم في السعي لإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم ،على أنقاض المسجد الأقصى المبارك الذي حاولوا إحراقه ، ويحاولون ويعملون على هدمه ،بحفر الأنفاق من حوله وتحته .

   وفي (مكايد الصهيونية من قبل عام 1948 وحتى اليوم)تحدّث عن إثارتهم الفتن بين الفلسطينيين ،وسعيهم لتحقيق الأحلام الصهيونية فيما يسمونه (إسرائيل الكبرى)من الفرات إلى النيل ،واستشهد بأقوال إسرائيل وسيفه،وبن غوريون ،وبما ورد في كتاب (خنجر إسرائيل) وكلّها مركّزة على ضرورة قيام دويلات طائفية ،لأن الوحدة العربية قادرة على مواجهة إسرائيل ودحرها ، وبغير الوحدة ، لاتقوى أي دولة عربية على الوقوف في وجه إسرائيل ،وهذا ما حدث فعلاًفي الحروب العربية الإسرائيلية ،فالعرب كانوا يقاتلون اليهود بعدة جيوش ،وعدّة قيادات ،بينما حاربهم اليهود بجيش واحد ، وقيادة واحدة ،فانهزم العرب المنقسمون على أنفسهم ،وانتصر اليهود وتغلّبوا بوحدة جيشهم ، ووحدة قيادته .

   وفي الخاتمة ،رأى المؤلف أن اليهود يعملون لتقوية أنفسهم عسكرياً ،وتقنياً،واقتصادياً ،وسياسياً ،و.. ويعملون على إضعاف جيرانهم العرب عسكرياً، وتقنياً، واقتصادياً ،وسياسياً ،

و.. بالعمل على إثارة الفتن بينهم ،تمهيداً لتمزيقهم إلى كيانات هزيلة ..

   كما تحدّث عن مناهج اليهود في مدارسهم الدينية في العراق ،وهي مناهج تربّي أطفالهم على كره العرب ، والمسلمين ،وحبّ اليهود ،وتربيتهم تربية عسكرية ،ليكونوا مؤهّلين لخوض أي معركة في المستقبل ضد العرب ،ويا ليت كلّ مؤرّخ يفعل كما فعل اللواء خطاب ،فيرصد أنشطة اليهود ، ويدرس مناهجهم ،وإن كان المخطط واحداً في سائر البلدان التي

يقيمون فيها ..واحداً في أهدافه البعيدة ..

   هذا الكتاب جدير بالدراسة و التأمل ،ففيه قال اللواء خطاب كثيراً مما ينبغي أن يقال في هذه الأيام الحبالى .