المستعرب الألماني فريتس شتيبات يرد على مفاهيم مفكري الغرب الخاطئة حول الإسلام ويدعوهم إلى تصحيحها

المستعرب الألماني فريتس شتيبات يرد على مفاهيم مفكري الغرب الخاطئة حول الإسلام ويدعوهم إلى تصحيحها

القاهرة: ممدوح سالم

يرد المستعرب الالماني المعروف فريتس شتيبات في كتابه «الاسلام شريكا»، الصادر حديثاً في سلسلة كتاب عالم المعرفة بالكويت وترجمه الى العربية الدكتور عبد الغفار مكاوي، على المفاهيم والأفكار الخاطئة التي تروج حالياً ضد الاسلام في الغرب، ويدعو أهله الغربيين الى تصحيحها، وتعديل مواقفهم، خاصة من تيارات الاحياء الاسلامية المختلفة ومحاولة فهمها بشكل موضوعي بعيداً عن التعصب والنظرة الشوفينية الضيقة.

يقع الكتاب في 208 صفحات، ويقدم فيه الدكتور مكاوي ملخصاً وافياً لعشرة بحوث كتبها المؤلف وألقاها في مؤتمرات علمية عن التاريخ العربي الحديث مثل: بدايات الحركة القومية العربية في سورية ولبنان، ونكبة فلسطين، ونظام التعليم في مصر قبل الاحتلال البريطاني. كما يعرض الكتاب عرضاً دقيقاً لعشرة بحوث أخرى للمؤلف عن الاسلام والمسلمين، مثل مفهوم الخلافة في الاسلام، ووضع البدو الأعراب الذين آمنوا ولم يهاجروا، والدور السياسي للاسلام، ومحاولات تطبيق الشريعة في بعض الدول العربية والاسلامية، وموقف المسلم في الماضي والحاضر من السلطة، وشخصية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وتشهد الدراسات والمقالات المقدمة في هذا الكتاب على عمق التعاطف العقلي والوجداني الذي يكنه المؤلف للاسلام والمسلمين، وربما يرجع أحد أسباب هذا المنحى الفكري الموضوعي النزيه الى انتمائه لبلد غير مثقل بتاريخ استعماري بغيض، ومن ثم لا تنطبق عليه الصورة التي رسمها ادوارد سعيد والعلامة محمود محمد شكري للاستشراق المسخر لخدمة الاستعمار. وقد عرض شتيبات في كتابه للتطور السياسي والاجتماعي والحضاري الحديث في بعض البلاد العربية والاسلامية واضعاً الشعور العام للعرب والمسلمين، بعد فشل نظمهم الحديثة على اختلاف أشكالها في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وانسانية حقيقية، على كاهل الدول الصناعية المتقدمة وان ذلك يرجع جزء كبير منه الى أزمة الوعي في العالمين العربي والاسلامي والى إحساس شعوبهما بالتبعية لها والاعتماد عليها، سواء جاء ذلك مباشرة من خلال مخترعات تلك الدول المتقدمة وأفكارها وخططها التي استعارها العرب والمسلمون وجربوها من دون نجاح يذكر، أو جاء بطريقة غير مباشرة من «المغتربين» من أبنائها الذين قصروا كل جهدهم لنقل نموذج الحداثة الغربية من دون أي قيد.
وفي إطار ملاحظاته عن دور البحث العلمي في حوار الأديان يرى المؤلف حول قضيتي وصف الاسلام بأنه عقبة كبرى أمام السلام العالمي في عصرنا ومشكلة الحوار بين الأديان وبالأخص بين الاسلام والمسيحية، ميلا شديداً ومفاجئاً في الغرب الى اعتبار الاسلام خطراً يهدد العالم الحر، بل اعتباره مصدر الإزعاج الباقي للسلام على الأرض. ويأتي تفسير هذه الظاهرة ـ في رأيه ـ أن من الناس من يشعر ببساطة بالحاجة الدائمة لمواجهة خطر أو عدو يهدده، واذا كان الخطر الشيوعي قد انحسر، فإن الاسلام والمد الاسلامي هما البديل المناسب، ولديه يقين مؤكد بأن الدوافع الكامنة وراء هذا الموقف دوافع غير عقلانية. ويعلق المؤلف في مبحثه المعنون «العلمانيون والاسلاميون ـ محاولة مصرية لتصنيفهم»، على مقال نشرته «الهلال» المصرية للمفكر الاسلامي الدكتور محمد عمارة تحت عنوان «الحوار بين العلمانيين والاسلاميين»، مناقشاً تناول التصنيف الذي قام به الكاتب لكلا الفريقين، معتبراً ان هذا التصور لا يعبر عن موقف جميع الاتجاهات الاسلامية، ولكنه يوضح على كل حال مدى اتساع مجال العمل أمام الحركات الاسلامية، مشيراً الى ان الواقع يؤكد أن المناقشات الدائرة في الوقت الحاضر بين المسلمين عن الدور المنوط بدينهم في العالم المعاصر تتم بصورة أكثر دقة وعقلانية مما تتصور وسائل الاعلام وخبراؤه الذين يتعرضون للكلام عنها. وفي إطار بحثه المهم عن الدور السياسي للاسلام وتأمل تحليله لمسيرة الدولة الدينية في كل من إيران وباكستان وليبيا والمشكلات والعثرات التي ما تزال تقع فيها، فإن المؤلف يميل الى موقف الحداثيين، الذين نجحوا على رغم الاعترافات المستمرة من جانب الأصوليين التقليديين وعلماء الدين، في تأكيد ان وجود الدولة المرتكزة على الشرع لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع التأثر الصحي بثقافة الغرب ومحاكاته في علمه وتقدمه واحترامه للحقوق الانسانية كافة لإقرار السيادة الشعبية وتبني النظم الديمقراطية، كتداول السلطة، وانتخاب رئيس الدولة وممثلي البرلمان انتخاباً شعبياً، أي ان المؤلف يقف في صف التفسير الخلاق للنصوص الشرعية بما يلائم الضرورات والحاجات المتغيرة بتغير الزمن وظروف الحياة. كما انه يعبر هنا، وفي مواضع أخرى عن يقينه الراسخ بأن الاسلام يقدم للمسلم مجالا واسعاً للاجتهاد وتقديم تفسيرات جديدة وشجاعة للنصوص الشرعية، واتخاذ قرارات خاصة قد تسير به الى الأمام أو ترجع به الى الوراء. ويتضح المنهج التاريخي النقدي الذي يتبعه المؤلف بأجلى صوره في بحثه عن عمر الأول، أي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث
يشرح المؤلف الظروف التاريخية التي نشأ فيها وغيرته كما أنتجته وأنتجها، وكيف تمت كبرى الفتوحات الاسلامية بفضل حكمته وتوجيهه وصلابته، وكيف استطاع تدوين الدواوين لمواجهة مقتضيات المد الاسلامي في بلاد جديدة وحضارات عريقة، وكيف استطاع أن يدمج القبائل العربية النافرة في موكب الإيمان الزاحف وتحت راية الرسالة الجديدة والموجهة للبشر كافة، وكيف أصر حتى النهاية على التوحيد بين العروبة وعالمية الاسلام في كيان جوهري واحد. ويستعرض المؤلف نظريات المفكرين والعلماء في تفسير شخصية الفاروق عمر، كتصور نظرية البطل والبطولة في صنع التاريخ، كما تبناها كارالايل والعقاد، أو كما تصورها هيغل في زعمه بأن (دهاء العقل) أو الروح المطلق يسخر الابطال العظام لتحقيق أغراضه، ويرى المؤلف ان هذه النظريات لا تصلح لتفسير هذه الشخصية التي جسدت المثل الأعلى في الواقع الاسلامي. وفي رأيه ان عمر نفسه اتخذ ما اتخذ من قرارات حاسمة وصارمة وهو يعلم أنه مجرد أداة لتحقيق خطة إلهية عهد إليه بتنفيذها، ومن ثم تجلت عظمته في اختراق التراث واستلهامه وتفسيره على نحو خلاق للاستجابة للظروف التاريخية والحضارية الجديدة، وبذلك يبقى عمر نموذجاً للحفاظ على التراث وتجديده في آن واحد وصوتاً محذرا من التمسك العبودي به من ناحية ومن تجاهله والقفز فوقه عن جهل ورعونة من ناحية أخرى. ويتطرق المؤلف أخيراً الى إشكالية (المسلم والسلطة) فيتناول قضية تطبيق الشريعة وتاريخ الدولة الاسلامية منذ ان كانت مثلا أعلى تحقق في الواقع في ظل الدولة الاسلامية الأولى التي أسسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في المدينة وصولا الى أن أصبح الحكم في عهد الأمويين ملكية دنيوية ووراثية، واضطرار بعض علماء الدين في العهد العباسي الى تبرير وجود الأمير الغاصب والظالم والطاعة له درءاً للفتنة، وكيف أثر هذا التوجه على مر التاريخ في موقف المسلم من السلطة ما بين حذر وتخوف وقبول في وقت واحد. وبعد استعراضه للتجارب والمحاولات العشوائية القصيرة في عدد من البلدان الاسلامية يقرر المؤلف أن تطبيق الشريعة ممكن اذا استطاع المسلمون تحقيق التوازن بين متطلبات الدين والمتطلبات التي تفرضها روح العصر وضروراته وحاجاته المتجددة كل يوم، بل كل لحظة.