أمة من الغنم
أمة من الغنم
تأليف: وليم ج. ليدرر ترجمة: د. عدنان شوكت شومان
|
|
عرض: عبد الله زنجير |
حدثنا د. ماجد عرسان الكيلاني عن حوار طريف مع أستاذ جامعي أمريكي كان سأله عن علة تحريم الخنزير في الإسلام؟ فأجابه بما هو موجود في تراثنا الفقهي عن هذه المسألة، فلم يقتنع زميله الأمريكي وطلب منه سبباً آخر.. فأجابه بما هو شائع في الموروث الشعبي من أن لحمه يقتل الغيرة في الرجل، والدليل هذا الدرك الذي وصلت له علاقات الجنسين في الغرب! فدهش الرجل من العلاقة المفترضة ما بين أكل اللحم وتفسير النفسيات، قبل أن يقول: وجدتها، لقد كنت أتعجب من الهزائم العربية أمام إسرائيل، إلى أن اكتشفت الآن بأن سبب ذلك هو أكلهم للحوم الأغنام!
إن هذه القصة بدلالاتها الرمزية تصلح مدخلاً لفهم المفارقات الحضارية الراهنة ما بين الشرق والغرب، فنحن لم نطور خطابنا مع الآخر باستثناء قشور قليلة، ورضينا بالارتهان للخيال وللمنقذ القادم. والغرب الذي أخذته العزة بالآلة، لم يمارس دوره الإنساني في تعميم المعرفة، بل سارع ليستعمر وليبحث بنهم عن مصادر الطاقة في كل منحى.
لقد كتب رفاعة الطهطاوي رحمه الله (الذهب الإبريز في تلخيص باريز) وكتب من بعده العشرات، وكان آخر ما قرأته (الغمز واللمز في وصف الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) للأستاذة ديمة طهبوب، إلا أن الكتابة من العرب للعرب عن الغرب شيء، وكتابة الغرب عن الغرب شيء آخر، وحين يصدر هذا الكتاب الرصين باللغة العربية، فلكي نضيف جديداً لحركة الفكر والنشر ولاسيما في العلوم السياسية، ولكي نتعلم من القوم آلياتهم الحوارية وجدلهم الراشد، بعيداً عن سفك الدماء وإغراء التصفية، وأيضاً لنقرأ من منظار العلم المجرد الخلل الأخلاقي المكيافيللي القائم بالتقادم في دوائر صناعة القرار الأمريكي، من غير أن يعني هذا قفزاً على واجباتنا ومسؤولياتنا نحن في التخلف والمظالم الداخلية والانحطاط الشامل.
إن الغرب يعلن مصائبه وكوارثه ولا يكتم أو يعتم عليها، والإحصائيات التي نسمعها عن القتل والاغتصاب والانحلال والدعارة والتمييز والخراب الاجتماعي، هم يعلنونها وهم يعالجونها، وهل من علاج أنجع من إقامة يوم عالمي للمرأة في 8 مارس إحياء لذكرى مجموعة من العاملات الأمريكيات قضين نحبهن خلال إضراب عن العمل قمن به قبل حوالي 100 عام، وذلك في ظل غياب وتغيب البديل المسلم الذي يشكل الخلاص الحسن من مآزق الشرق والغرب عندما يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذوي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
أما شرقنا الذي يستكين للكسل وتضييع الوقت، فهو في سرور وحبور لكل ما يصيب هذا الغرب من مكاره ومكائد، ثم تصف طوابير شبابه أمام السفارات الأجنبية بحثاً عن الهجرة والسمن والعسل في تناقض مرعب، لن نتخلص منه بجرة قلم!.
إنني أتفهم رأي د. خالص جلبي في هذا الكتاب، ولكن لا أوافقه عليه فالترجمة حق وحاجة، وهي أداة التعارف الحقيقية ما بين الثقافات والشعوب والقبائل، ود. عدنان شومان له واجب الشكر لكونه بذل من جهده وعلمه وعمله، وهو حين يترجم لنا كتاب أمة من الغنم لمؤلف أكاديمي متخصص، فلكي نستشرف معه مكامن الخلل والخطر في أعظم إمبراطوريات الأرض قوة وقامة، بدون أن نبرر ما جنيناه على أنفسنا وعلى الإنسانية وعلى الإسلام العظيم عندما نقضنا عراه عروة عروة، من الحكم نزولاً.
ونحن كمسلمين علينا أن لا نتشفى بأمراض الآخرين وعللهم، ولكن نستشفي من صيدلية الحكمة التي هي ضالة المؤمن، وما هذا الكتاب إلا نافذة علينا أن نطل من خلالها على عالم يكتنز بالإثارة والتناقض والتعقيد، وعسى أن نفهمه ونسهم في تغييره ولو مستقبلاً، وحتى نكون (شهداء على الناس) والله تعالى أعلم.