بغداد مدينة السلام
بغداد مدينة السلام
لطه الراوي
كتاب طه الراوي يبحث في بغداد وتاريخها، أسسها وحاضرها، من الطريف أن نرجع إلى الاسم الفارسي للمدينة فقد تعددت المذاهب في معناه. هناك من فسّره عطية الصنم ومنهم من فسّره مؤسسة الله وعلى كل حال فقد كان الفقهاء يتحرّجون من الاسم.
بنى المنصور المدينة وأقامها على
تصميم دائري وعلى سورين خارجي وداخلي أضيف
إليهما ثالث فغدت الأسوار ثلاثة،
بغداد هي الصورة المثلى للمدينة في عصرها.
إنها الحدائق والمعمار والسعة
والأسواق والمتعة والطرب. روى أبو حيان التوحيدي
أن في الكرخ وحدها وهي جانب من
بغداد أحصينا
أربعمئة وستين جارية.. ومئة
وعشرين حرة. وخمسة وتسعين من الصبيان البدور هذا الرقم لمغني ومغنيات جزء من
غداد يفصح عن فرط اهتمام البغداديين بالسماع وما يتأسس حوله من نمط حياة
مديني. لذا امتاز أهل بغداد بالظرف والسخاء والأريحية. وحسن الحديث وطلب
العلم والعصبية لبلدهم لا يفضلون عليها وطناً آخر. ويكفي أن ننقل من ابن زريق
البغدادي الشاعر هذا البيت:
هيهات بغداد والدنيا بأجمعها
عندي وسكان بغداد هم
الناس
أما تاريخ بغداد السياسي فهو تاريخ الدولة العباسية
وأطواره طور العظمة والازدهار وطور استئثار الجيش بالسلطة وطور العهد الديلمي
وطور العهد السلجوقي ثم هناك الحقبة المغولية والتركمانية والصفوية فالاحتلال
الإنكليزي.أما بغداد فمحلاتها كثيرة وكذلك أبوابها وجوامها ومدارسها. وقد كون
تاريخ بغداد من ناحية أخرى هو تاريخ هذه الجوامع وتلك المدارس والجامعات.
ولعل أول من أمر ببناء مدرسة مستقلة عن المسجد كان المعتضد ثم بنى نظام الملك
السلجوقي مدرسته المعروفة بالنظامية التي كان من جملة خريجيها أبو حامد
الغزالي وفي أواخر العصر الثالث وأوائل الرابع أنشئ معهد للطب أطلق عليه اسم
البيمارستان. والمدرسة المستنصرية هي الوحيدة التي بقيت لليوم ماثلة للعيان.
هذا فضلاً عن خزائن الكتب العامرة والمكتبات العظيمة التي أسسها الخلفاء. أما
القصور فمشهورة عديدة. كلّف قصر السلام 50 مليون درهم، واشتمل قصر عيسى على
4000 نسمة. وذكر الخطيب البغدادي أنه كان في قصور الخلافة في أيامه 7000
خادم.للمؤرخ جولة أيضاً في معالم بغداد جسورها وأنهارها وأحياؤها. وفي
ثقافاتها المتعددة ومدارسها الفكرية والفلسفية والأدبية.يكاد كتاب طه الراوي
يكون موسوعة للجيب عن بغداد العظيمة في أمسها وحاضرها، إنه
كتاب مختصر غني جامع. وإذا كان الكتاب ابن عصره ويومه إلا
أن سلسلة الكتاب للجميع حين تنشره فلكي تضيء على حلقة وسطى في تاريخ بغداد
وما أحوج بغداد اليوم وهي تصارع الى تلك الحلقة الضائعة من تاريخها.