حزن حتى الموت
(طبعة 2002)
تتسم قصص "حزن حتى الموت" للروائي فاضل السباعي، بأن الخطاب فيها موجه إلى السلطات التي تسلب المواطن والمثقف والمبدع، أحياناً. أغلى ما يملك: حريته الشخصية وحريته في التعبير!
ويتميز الأسلوب الذي يسود قصص هذا الكتاب، بالشفافيّة والبعد عن المباشرة مشفوعين بالجرأة الأدبية التي يقتضيها الموقف. فالكاتب يجرد قصصه من المكان، ويرتفع بها فوق الزمان، ويستبدل بأسماء الشخوص المعتادة أحرفاً. ثم يمعن في السير بها - وبك أنت أيها القارئ - بعيداً عن الواقع!
إن بطل قصة "العينان في الأفق الشرقي"(مجلة "الكاتب" المصرية 1977)، يُلقى القبض عليه لمجرد خاطرة جالت في رأسه، وهو في طريقه من الوزارة إلى البيت. وهناك، في القبو المعتم، يمارس عليه قهر يلجئه إلى أن يقبل حذاء الجلاد، أملاً في بارقة عفو!
وبطل قصة "الصورة والاسم" (ترجمت إلى الفرنسية)، يفلح في التفلُّت من القبضة، بسبب ذكائه الخارق للعادة. إلا أنه يسقط أخيراً، سقوطاً محزناً، مضحكاً، مثيراً للغضب، وسقوطه يكون نتيجة عماء مطارديه لا ذكائهم..."ونحن إذ نحزن له، أو نضحك سخرية من غباء الموقف، أو نغضب، إنما نعبر- في حزننا وضحكنا وغضبنا- عن موقف واحد هو: الرفض لمثل هذا الواقع، والدفاع عن حرية الإنسان ضد هذا الوضع وعن حريتنا متمثلة فيه" (كما كتب يوماً الناقد شوقي خميس، في مجلة "الآداب" اللبنانية 1968)!
وتمضي قصص الكتاب تعزف على هذا الوتر، وكأنها فصول في رواية... وتنتهي إلى آخر القصص، حيث يكون البطل قد سئم، حتى مُح العظام، الخضوع والفرار والتواري، فيعتزم التمرد. وإذ يتعارك مع رجل السلطة، يكتشف أن يديه ليستا من لحم ودم، ليس فيهما عظام! لقد كان الرجل- يا للعجب! - كرتونياً... يقول: "دفعته دفعة يسيرة، فإذا هو يتهاوى على الأرض كومة من ورق، من قصاصات ورق صغيرة... سرعان ما أخذت تذروها الريح!" (قصة "الأيدي الكرتونية").
إنك حين تقرأ كل قصة من قصص هذا الكتاب، تحدث نفسك فتقول: إن الكاتب يحلُم! ولكنك بعد قليل تعدل فتقول: بل إنه يستمد حوادثه من واقعنا المر.. وبين ظنك بأنه يحلم وبين عدولك عن هذا الظن، تنتهي إلى القول: لقد كان الكاتب يحلم، ولكنه قال من الحقيقة ما يريد! وذلك ما وسع من دائرة الخطاب عنده، فتجاوز به مجتمعه الصغير إلى المجتمع العربي الكبير، فإلى مجتمعات العالم الثالث، هذا الذي لا ترى الأنظمة الشمولية فيه الحقيقة إلا في جانبها، فإن صوت الحاكم هو الصوت الوحيد الحق!
ومع
ما عانى هذا الكتاب، وهو مخطوطة، من الإهمال والتضييع، قبل أن تصدر طبعته الأولى
(بيروت 1975) وكذلك ما عاناه من التعتيم خلال توالي طبعاته اللاحقة (وآخرها الرابعة
هذه، دمشق 2002 عن الدار التي أسسها المؤلف)، فإن ذلك لم يحل دون التفات الكُتاب
والمستشرقين إلى هذه القصص "الرجيمة" فترجمت أربع منها إلى أربع لغات (الفرنسية
والألمانية والأرمنية والألبانية)، وقامت إحدى دور النشر الفرنسية بترجمة الكتاب
كاملاً، وقدّمته في معرض باريس الدولي للكتاب في شهر سبتمبر من العام 2002.