الإخوان المسلمون في سورية

المجلد الثالث

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

عرض: معالي الأستاذ رائف نجم

وزير الأوقاف الأردني السابق

اشتمل المجلدان الأول والثاني للمؤلف الأستاذ عدنان سعد الدين على شرح تفاصيل الأحداث التي دارت في سوريا على مدى السنوات من 1945 إلى 1963، أي منذ استقلال سوريا وإلى تاريخ ما بعد الانفصال. ويأتي هذا المجلد الثالث ليشرح أحداث الفترة من 1963 إلى 1977، أي مرحلة الحكم البعثي أو بالأحرى الحكم العلوي حتى وفاة حافظ أسد، ولكن هذه المرة بأدق التفاصيل وأغربها.

وفعلاً، كما قال المؤلف، فإنه يتحتم على القارئ أن يتريث في حكمه على مادة الكتاب حتى يستكمل قراءته. فالناقد لا يعطي رأيه حتى يلم بهذه الأحداث العجيبة والمحن الصعبة التي عاشتها سوريا الحبيبة خلال عقد ونصف من الزمان.

عشت سابقاً مع أحداث المجلدين الأول والثاني، وقدمت لهما في حينه، بعدما شعرت بدقة وصدق ما روى. وهاأنذا اليوم أقدم للمجلد الثالث الذي استحوذ على تفكيري في أيام وليالي رمضان المبارك في هذا العام الهجري 1429.

لقد اعتمد الأستاذ عدنان سعد الدين على التوثيق الدقيق في سرد الأسماء والأحداث والتواريخ والأماكن وكأنه سجلها من مذكرات يومية منفصلة، وعرضها في شريط سينمائي تراجيدي أمام الأعين، وأوضح في كتابه كيف كانت سوريا العزيزة حقلاً لتجارب المغامرين العسكريين الذين منحوا أنفسهم مجمل الصلاحيات، ضاربين عرض الحائط بالدستور والقوانين والأنظمة. ويوضح كيف كانت الوحدة مع مصر خداعاً للجماهير السورية والعربية، وكانت خداعاً لجمال عبد الناصر، وكان هدف الانقلابيين كسب الوقت وتثبيت دعائم سيطرتهم على البلاد. كما اتخذوا حزب البعث ستاراً لتكتل طائفي خطير، واستغلوا البعثيين في هدم المساجد وتنفيذ المذابح واعتقال العلماء وانتهاك حقوق الإنسان وحل الجيش الوطني، وتشكيل جيش طائفي.

وكشف الكتاب عن الاتفاقيات السرية عام 1967 وبعد عام 1973 بين سوريا والإسرائيليين لعدم الاعتداء، والسيطرة على الحزب والجيش والدولة، مما ضمن الهدوء واستمرارية الحكم الطائفي.

وفي الكتاب قصة الإعداد المتقن من قبل بريطانيا للرئيس حافظ أسد منذ أن كان (ملازماً) وإلى أن أصبح رئيساً للجمهورية، وكيف رتبت بريطانيا علاقة بينه وبين وزير خارجيتها منذ نعومة أظفاره.

في هذا المجلد شرح دقيق لما حصل في معارك 1967 في مصر وسوريا والأردن، وكيف سقطت الجولان قبل سقوطها، ووقع حافظ أسد القرار رقم 66 بسقوط القنيطرة قبل أن يراها العدو الإسرائيلي، وكيف تركت دبابات ومدافع الجيش السوري في الجبهة، وحول الجيش الإسرائيلي اتجاهها إلى الجيش السوري الفار إلى دمشق، وكيف طلب الملك حسين بن طلال من سوريا ضرب المطارات الإسرائيلية حتى لا تستطيع الطائرات الإسرائيلية العودة إليها بعد أن ترجع من ضرب الجيش المصري، فينقلب السحر على الساحر، ولكن حافظ أسد رفض تنفيذ الاقتراح، علماً بأنه أُنفق خمسة مليارات دولار على رفع مستوى الجيش السوري وتحصين الجولان قبل المعركة، وكل ذلك ذهب هباءً.

لقد تميزت المرحلة التي يغطيها الكتاب بانتشار الروح الطائفية والعشائرية ووقوع الخلافات بين العلويين والدروز والبعثيين التي أثارها صلاح جديد وحافظ أسد ومن حولهما، وخصوصاً في فئات الجيش، وأصبحت نسبة العلويين إلى غيرهم خمسة أضعاف. لقد اطلعت في هذا المجلد على أسرار عديدة حصلت في هذه المرحلة، منها كشف ظهر الجيش العراقي الذي جاء لنجدة سوريا في معركة 1967 والاتفاقيات السرية بين حافظ أسد من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، وكيف تخلص من الضباط الوطنيين قبل معركة 1967 وصفقات الأسلحة مع إيران خلال حربها مع العراق، وكيف تم توريث السلطة إلى بشار أسد، وعلاقة عائلة أسد بزراعة المخدرات في سهل البقاع وإطلاق يد حافظ أسد في لبنان مقابل القضاء على المقاومة الفلسطينية في سوريا ولبنان.

ويشرح الكتاب كيف حُوِّلت الهزائم والاتفاقيات الاستسلامية إلى انتصار، وكيف تم العفو عن الجواسيس اليهود الثلاثة والعشرين والسماح لهم بالسفر إلى إسرائيل رغم كونهم سوريين، وكيف ظهرت طبقة المليارديرات التي بلغ تعدادها الألوف.

ويكشف الكتاب عن العلاقة الحميمة بين الأكراد والإسرائيليين وعلاقة البرزاني مع كيسنجر وإشكول ومناحيم بيجن، والتعاون الإسرائيلي الكردي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، والضغوط الإسرائيلية على أمريكا وفرنسا لمنع أي تغيير في النظام السوري حتى لا يلحق التغيير أي أذى بإسرائيل، لأن البديل للنظام الحالي هو وصول الإسلاميين إلى الحكم علماً بأن العلويين لا يشكلون إلا عشرة بالمائة من الشعب السوري. ولم ينس المؤلف عرض السيرة العطرة لعدد كبير من الشخصيات التي خدمت الإسلام والمسلمين في سوريا على مدى عقود من الزمن، منذ الثلاثينيات من القرن العشرين.

حقيقة أن القارئ للكتاب يشعر بأمانة التأليف، وفي هذه العجالة لا يمكنني استعراض جميع المحطات الهامة، ولذلك فإني أقترح قراءة الكتاب لمن يرغب بالاطلاع على الحقائق التاريخية من شخص عاش معها ووثقها.