فارس الخوري، الوطنية – العروبة – الإسلام
تعصف بأمتنا العربية في هذه الأيام ظروف تاريخية دقيقة، وعصيبة، نتيجة المكر بها عبر مؤامرات دنيئة، تحاك بأيدٍ لئيمة، ونفوس خسيسة، ارتضت أن تكون مطايا للحاقدين في الغرب والشرق وما بينهما من أقوام تربت على أحقاد تاريخية، ما زالت تتغذى بها.
منذ أن كان العرب عرباً والمسلمون مسلمين، والفاتحون من أصحاب الرسالة العربية الإسلامية الخالدة فاتحين... منذ ابتعاث محمد بن عبد الله العربي القرشي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين، حاملي أعظم حضارة إنسانية، أخرجت البشرية من ظلمات القهر والاستبداد والاستعباد، إلى نور العدل والحرية والكرامة، فقد كرم دستورهم بني آدم، ونادت قيادتهم الراشدة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً..) ويبدو أنهم سيبقون على عداوتهم لكل من يمتّ إلى العروبة والإسلام بصلة، إلا أن يشاء الله غير ذلك.
والشخصية العملاقة التي يتحدث عنها هذا الكتاب، هي وريثة تلك الحضارة التي أنجبت العالم المفكر، والخطيب المفوه، والعربي الوطني الذي جاهد في سبيل أمته العربية، ووطنه السوري ما مكنّ الشعب السوري البطل من كسر القيود والأغلال التي قيده بها المستعمرون الغربيون، أصحاب السوابق في غزو بلاد العرب في حروب أطلقوا عليها اسم الحروب الصليبية، وأطلق أجدادنا عليها اسم حرب الفرنجة، فليس للصليب المحمول من الغرب إلى الشرق نصيب من تلك التسمية، فالغزاة من شرار الناس، ليسوا إلا أصحاب مصالح مادية صرفة، هي مبادئهم، وهي دوافعهم الحقيقية لغزو الشرق العربي الإسلامي.. إنهم ما جاؤوا لاستنقاذ الصليب، ولا الأرض المقدسة، ولا المسيحيين العرب الذين يعيشون مع مواطنيهم العرب المسلمين حياة طيبة وادعة، فهم ليسوا غرباء، ولا طارئين على هذه البلاد العربية، بل هم جزءٌ مهم من النسيج المجتمعي العربي المتجانس من قديم الزمان، فالمسيح النبي الرسول ابن هذه الديار، ورسالة السماوية نزلت عليه في هذه الأرض المباركة، والعرب المسلمون لم يضاروهم في معتقداتهم وكنائسهم، بل كانت الكنائس إلى جانب المساجد والله أوصى بها في قرآنه، واستثناهم من بين الأديان والأجناس الأخرى، والنبي الرسول الموحى إليه، أوصى بهم خيراً.. استقبل أجدادهم، وحاورهم، وأكرمهم، وتزوج منهم، والقائد الفذ ابن الخطاب عمر، ومن سبقه ومن لحق به من قادة الأمة العظام، ساروا على نهج نبيهم، في الإحسان إليهم، فهم منا ونحن منهم، وقد تسلموا المناصب الرفيعة في الدولة العربية الإسلامية، كان المسلمون يحسدونهم عليها، بل يغبطونهم عليها, وكذلك كان شأن الشعوب شعوبنا معهم، احترام متبادل، ومصالح مشتركة، ووطن حنون يضم الجميع ويسع الجميع، والكل سواء أمام القانون.
***
لم يعرف شعبنا السوري هذا المفهوم الوضيع لمعنى الأقليات، الدينية منها والعرقية، إلا في عهد الهالك حافظ أسد، ومن بعده وريثه الأبله الذي ينزّ لؤماً وحقداً ونذالة.. فالمسلمون والمسيحيون، والعلويون والدروز والإسماعيليون والآشوريون والسريان، وحتى الأرمن الوافدون، وحتى اليهود – قبل الصهيونية ودعاواها الباطلة في فلسطين، وعدوانها على الأمة، باحتلالها فلسطين – كان كل هؤلاء يعيشون حياة المواطنة، في أسمى معانيها.. يشكلون نسيجاً واحداً متجانساً في تعاملهم، وتشابك مصالحهم، وصداقاتهم، وتحالفاتهم الشفافة، وثقافاتهم، حتى جاء الاستعمار، وسار على سياسة (فرق تسد) وبدعوى المحافظة على الأقليات، فأثار النعرات الطائفية، ولكنه فشل وخاب وخسر، فقد وقف الجميع في وجهه، وكانت الثورة السورية الكبرى التي شارك الجميع في مقاومته وطرده من البلاد، وأسهم الجميع في بناء الدولة السورية المستقلة، مسلمهم ومسيحيهم، درزيهم وعلويهم.. شاركوا في طرد الاستعمار واستقلال سورية..
وكان لفارس الخوري القدح المعلى في فضح الاستعمار الفرنسي الذي كان يزعم أنه جاء لحماية الأقليات، وخاصة المسيحيين، فتصدى له الفارس يفضح مزاعمه.. اعتلى منابر المساجد في دمشق وحلب.. خطب فوق منبري المسجدين الأمويين في دمشق وحلب، ورد كيد المستعمرين في نحره، وفضح مزاعمه في اضطهاد المسيحيين الذين عاشوا مع السوريين المسلمين دهوراً، حياة ملؤها الحب والعزة والعدل والكرامة، وخطب في الكنائس، ونبه المسيحيين إلى مكر الاستعمار وكيده. فهدده المستعمرون وأذنابهم من العملاء والخونة، ولكن الفارس لما يبالِ بتهديدهم ووعيدهم، وانطلق في نضاله يخطب في المسلمين ويحاضر، وهو الخطيب المصقع الذي يحفظ كتاب الله تعالى، وتدور آياته على لسانه الطاهر العفيف..
يخطب في المسلمين في منطق وطني عربي إسلامي مبين، جعله يلتبس على بعض أبناء المسلمين، فيحسبونه من علماء المسلمين، ويتساءل بعضهم: خوري ومسلم يتلو آيات الله، ويستشهد بها في تعرية المستعمر المسيحي، فيكبر المصلون، ويهتفون له في وحدة وطنية رائعة.
وعرف السوريون الأحرار قدر فارس الخوري، وازدادت ثقتهم به وهو يدافع عن سورية في المحافل الدولية، فلم يبخسوه حقه، فكان يبني معهم سورية الحضارة، وهو عضو في لجنة الدستور، دستور 1950 فخر الدساتير العربية الراقية، وثقوا بالقوي الأمين، فاختاروه ليكون رئيس مجلسهم النيابي، ورئيس وزرائهم سنين عدداً.
ولكن أوباش البعث اعتدوا عليه وعلى أهله من الشبان والبنات عام 1956م لأنه وقف إلى جانب السباعي في الانتخابات البرلمانية التكميلية بدمشق، في مواجهة البعثي رياض المالكي.
ألا ما أحوج سورية الحبيبة في هذه الأيام المريرة إلى فارس الخوري، وإلى أمثاله من الفوارس الصادقين، في أقوالهم ومواقفهم وتصريحاتهم، وأخلاقهم، وصلابتهم في مهاجمة الأعداء.. يصدعون بالحق، وهم يتصدون للأسياد – الذئاب – الذين صنعهم وصنع الغرب أنظمتهم العميلة، لينقضوا على الشعب السوري البطل، ولينزلوا به، بهذا الشعب العظيم من المآسي والكوارث، على أيدي الطائفيين المحليين من الوحوش الأسديين وأعوانهم الطائفيين الغزاة القادمين من المجهول والمعلوم.. من مرتزقة "حزب الله" اللبناني الإيراني، ومن العصابات المجرمة القادمة من العراق الذي يئن تحت حكمهم، ومن إيران التي حسبناها تقود ثورة إسلامية، وطنية، ودخلنا السجون والمعتقلات، وعذبنا الطائفيون الأسديون لتأييدنا إياها، وإذا هي ثورة الملالي الذين يحملون في قلوبهم المتوحشة، أطناناً من الأحقاد القومية الفارسية على أبناء العروبة والإسلام، وعلى كل عربي حر، وعلى كل مسلم سليم الإيمان والإسلام، وعلى سائر الأحرار من أبناء سورية الحبيبة، وكل السوريين أحرار أبرار، إلا ذوي النفوس المتصهينين، ومن الطائفيين الفرس الداعين إلى كسر عروبة سورية وأخواتها العربيات والمسلمات، ورحم الله آية الله منتظري الذي ظلمه دعاة الفارسية الكسروية اللابسون لبوس الإسلام، وليسوا منه في شيء، فقد كتب منتظري رسالة إلى الأخ ياسر عرفات – رحمه الله – قرأها عرفات علينا في منزل الأستاذ عدنان سعد الدين – رحمه الله تعالى – في بغداد عام 1986م، بحضور محمود عباس، وكانت الرسالة تفيض بالأحزان والآلام، وهو يتحدث عن انحراف الثورة الإيرانية عن مسارها، وأن القوميين والموساد والمخابرات المركزية الأمريكية – نعم الأمريكية – وهذا الكلام كان عام 1986م وليس في أيام أوباما في هذه الأيام العوابس.. فتصوروا وعوا ما يحاك لكم أيها السوريون، أيها العرب، أيها المسلمون، أيها الأحرار...
شكا آية الله منتظري في رسالته لعرفات شكوى مريرة من العبث بالثورة الإسلامية في إيران في تلك الأيام (1986) وأن الثورة خرجت من أيدي الصالحين المخلصين، وصارت في أيدي المخابرات الإسرائيلية والأمريكية وعملائها من العلمانيين المتسلقين الذين سرقوا الثورة بمساعدة الموساد والمخابرات الأمريكية، ورجال الأعمال..
ومعلوم ما انتهى إليه حال منتظري من سجين في بيته، وتضييق عليه وعلى أعوانه وعلى الأحرار الذين كانوا وقود الثورة الإيرانية، ثم انتهوا على أيدي الأشرار الذين يفتكون بسورية – أرضاً وشعباً وقيماً – بعد أن احتلوها.. نعم.. سورية الآن تحتلها إيران بحرسها الثوري الطائفي الحاقد، وبعملائها ومتزقتها الطائفيين القادمين من العراق، ولبنان، والحوثيين، والأذريين، وسواهم.
****
ألا ما أحوجنا الآن إلى رجل كفارس الخوري، يرتقي المنابر، في سورية الأسيرة المدمرة بأيدي الفرس المحتلين، ويغشى أروقة المحافل الدولية، والمنتديات الأهلية في أوربا المنافقة، وأمريكا المتآمرة مع إيران الملالي منذ أواسط الثمانينيات، وظهر تآمرها في عهد البوشين والرئيس الملون المتلون، وتقاطعت أحقادها ومطامعها مع طهران وقم، فتعاونوا جميعاً على تدمير العراق وأفغانستان ومصر الآن.
أين رجل قائد فذ كفارس الخوري يقارع المستعمرين الجدد من بني الفرس الحاقدين على العروبة والإسلام، منذ هلاك كسرهم، ومن المحافظين الجدد أعداء العروبة والإسلام، أدعياء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟.. أين؟! أين؟!
وأين الغرب الأعمى فلا يرى مئات الآلاف من الشهداء يحترقون بصواريخ الفرس والروس، وببراميل الأبله الحاقد بشار، وبأسلحته الكيماوية، وقد أعدها كلها هو وأبوه وأعوانهما الحاقدون، من أجل قتل الشعب السوري الأبي...
لقد عمي أوباما وكيري وشركاؤهما في الشرق والغرب، وفي العرب والعجم، عن خمسة آلاف برميل متفجر، ألقاها طيران الأسديين على حلب وريفها، وعلى إعزاز وعندان والباب ومنبج وجرابلس، وعلى السفيرة والأتارب، وداريا، وجوبر والزبداني والمعضمية وحرستا ودوما والغوطتين جنتي الله في الأرض، وعلى دير الزور والميادين والبوكمال، والرقة، وإدلب والمعرة وسراقب وكفرنبل، والجسر وجبل التركمان وجبل الأكراد الساحليين، وعلى كل مدينة وبلدة وقرية في سورية الثائرة على الاستبداد، والمحتلين الغزاة.
لقد عمي الغرب والأمريكان والروس والصين عن حمص الشهيدة وعن الرستن البطلة.
وعن حوران الباسلة مفجرة الثورة المعجزة، وأمّ الأبطال، وعن حماة، وريفها البطل..
لقد عموا وصمّوا، زادهم الله عمى..
يارب هب لسورية المنكوبة، رجلاً مخلصاً واعياً كفارس الخوري، يفهم مسيحييها أن حافظ أسد بنظامه الطائفي المقيت، هو الذي قتل مسيحيي لبنان, وحاول قتل ميشال عون نفسه، فهدم الكنائس والمساجد في حماة 1982 كما فجر (عادلي) مصر كنيسة القديسيين في الإسكندرية واتهم الثوار، وكما يفعل الأبله بشار في هذه الأيام البئيسة مثل فعل أبيه وأكثر...
ومن أخطر ما يفعله بشار هو إرساله المتفجرات في سيارة الوزير اللبناني المسيحي ميشال سماحة لإحداث فتنة طائفية في شمال لبنان بتفجر المساجد والكنائس وقتل علماء المسلمين والبطرك الراعي!!، وقد اعتقل سماحة ولكن المخطط قد نجح في تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس الشام بتاريخ 23 أغسطس (آب) 2013 بأدوات عملائه من حزب الله والحزب العربي الديمقراطي العلوي بزعامة علي عيد وابنه رفعت..
أين الرجل الذي ينبه مسيحي سورية إلى أن مستقبلهم مع الشعب السوري، وليس مع الطاغية الأبله، وأسياده – ذئابه – في طهران وقم ومرتزقة المالكي ومرتزقة الضاحية الجنوبية في لبنان وطائفييها القتلة المرتزقة المجرمين..
وأخيراً:
ما أجمل قول فارس الخوري: "المسيحية دين، والإسلام ثقافة الأمة كلها، مسلمين ومسيحيين". ويارب مالنا غيرك
وسوم: العدد 722