المنشد يحيى حوى سيستخدم الموسيقى
نجدت لاطة
في إحدى سهرات عيد الأضحى الأخير، وعلى قناة بغداد الفضائية، ذكر المنشد المرموق يحيى حوى أنه سيستخدم الموسيقى في أناشيده القادمة، بعدما كان يرفض ذلك. وذكر أيضاً أنه يسمع الموسيقى لا سيما أغاني أم كلثوم.
وشيء جميل أن ينتقل المنشد الإسلامي إلى مرحلة استخدام الموسيقى. وهذا يعني أننا سنسمع لوناً آخر من الأناشيد، أكثر عمقاً، وأنضج فنياً.
والمنشد يحيى حوى هو من البقية الباقية من المنشدين القلائل الذين لم يستخدموا الموسيقى، ولكن لم يكن يخفى عليه أهمية الموسيقى للنشيد، غير أنه كان يراعي شعور الجمهور الذين يعرفونه بأنه مقرئ للقرآن، بالإضافة إلى كونه إماماً لمسجد في السابق.
والمتتبع لألبومات المنشد يحيى حوى يلحظ تطورات واضحة في مسيرته الفنية، مما جعل الجمهور ـ صغاراً وكباراً ـ يحفظ الكثير من أناشيده، ولعل أنشودته (حياتي كلها لله) نالت النصيب الأوفر، فنجد هذه الأنشودة في رنات الخلويات وفي الشوارع والسيارات والدكاكين. وإن المنشد المحترف هو الذي يجعل الكل يترنّم بأناشيده.
وهناك المنشد محمد العزاوي، وهو علم كبير في النشيد الإسلامي، وهو أيضاً لم يستخدم الموسيقى إلى يومنا الحاضر، ولكن إذا جئنا إلى الحقيقة فهو يحب أن يستخدمها في أناشيده، وقد رأيته مرة جالساً على البيانو يعزف، فسألته عن سبب عدم إدخاله الموسيقى في أناشيده، فقال بأنه ما زال هناك جزء من الجمهور يرفض ذلك، فهو يراعي شعورهم..
ومنشدنا الكبير أبو راتب أخرج الفيديو كليب الخاص به الذي يتحدث عن الغربة والاغتراب بنسختين، الأولى بالموسيقى والثانية بالإيقاع فقط، وتمّ عرض النسخة التي بالموسيقى في القنوات الفضائية، أي أنه لا توجد لديه مشكلة مع الموسيقى.
وإذا جئنا إلى شيخ المنشدين محمد أمين الترمذي، فهو يسمع الموسيقى أيضاً، ولديه أشرطة عمالقة الغناء العربي، ولديه أسطوانات موسيقار العرب سيد درويش.. وقد سألته مرةً كيف ينمي ذائقته الموسيقية، فقال بأنه يسمع أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهما من عمالقة الغناء العربي، فيستفيد منهم فائدة كبرى.
وأنا أرى أن الذي لا يسمع لعمالقة الغناء العربي شأنه شأن الشاعر الذي لا يقرأ دواوين الشعراء الكبار، كشعر المعلقات والمتنبي وأبي تمام والبحتري والمعري وأحمد شوقي وغيرهم.. فما مصير الشـاعر الذي لا يقرأ لهؤلاء الشعراء الكبار؟ سيكون شعره ضعيفاً ويحتاج إلى الصقل الكثير، وهكذا مصير المنشد الذي لا يسمع لعمالقة الغناء العربي، فلا بدّ من نماذج تُحتذى ويُقتدى بها ويُستفاد منها.
وسيصبح ـ قريباً جداً ـ الاقتصار على الطبل والدف هو من الموروثات القديمة حين كان النشيد الإسلامي في طفولته..
أهمية الموسيقى
هل يُعقل أن منشداً أو مطرباً لا يشعر بحاجته الماسة إلى استخدام الموسيقى؟ وإذا كان هناك أحد فأنا أشك في ذائقة الفنية، وهو عندي لا يفقه من فن النغم شيئاً، مهما كان شأنه هذا المنشد أو ذاك المطرب، لأن الموسيقى هي العنصر الأهم في فن الغناء، وإذا كنتَ تريد أن تعرف تأثير الموسيقى في النفس فادخل إلى غرفة فارغة ومعك بيانو، ثم انقر نقرة واحدة على البيانو، تجد أن نشوة سحرية هزّت جسدك كله.
ولا أكون مبالغاً إن قلت إن من الأسباب الرئيسية في عدم تقبّل الجمهور غير الملتزم للمنشدين فيما مضى هو عدم استخدامهم للموسيقى، فالجمهور غير الملتزم كان ينظر إلى المنشدين على أنهم مجموعة من الفنانين المتخلفين والمتطفلين على فن الغناء.
وهل يُعقل أن عملاقة الغناء العربي أم كلثوم تشعر بحاجتها الشديدة للموسيقى، ويأتي منشد لا يساوي ـ فنياً ـ إصبعاً من أصابع أم كلثوم يقول بأنه لا حاجة للموسيقى في النشيد؟ ما هذا الجهل الفني الكبير الذي يعتري بعض منشدينا؟ وبالمناسبة على ذكر أم كلثوم، إن كبار المنشدين الرواد ذكروا لي بأن أم كلثوم هي أكبر صوت ظهر في العصر الحديث كله، ولا يوجد مثيل لها، لا عبد الوهاب ولا عبد الحليم حافظ ولا فيروز ولا صباح فخري ولا ناظم الغزالي.. بمعنى آخر إن أم كلثوم أسطورة الغناء العربي، ومع ذلك فهي تشعر بحاجة ماسة إلى الموسيقى، بل هي ترفض رفضاً تاماً الغناء بدون الموسيقى.
وفيما يخص الطبل والدف اللذين هما الآلات الموسيقية الكبيرة في النشيد، فهما أسوء الآلات الموسيقية، لأنهما يصمّان الآذان ويعوقان وصول الكلمة إلى الأذن. فهل الطبل مهم للموسيقار مثل البيانو؟ وهل الدف مثل العود؟ فمتى يعي المنشدون هذا الأمر؟ وأنا كم أشعر بالأسى حين أرى على صالة المسرح المنشدين ووراءهم الضاربين على الدف والطبل، وأرى خلف المطربين العازفين على الأورك والبيانو والجيتار والعود والكمنجة والناي والجاز وغيرها من الآلات الموسيقية التي لا أعرف لها اسماً، ما هذه القسمة الجائرة بيننا وبين المطربين؟ وبعد ذلك نجد بعض المنشدين يزعم بأنه سينافس المطربين في فن الغناء.
أنا أرى أن النشيد الإسلامي بحاجة كبرى إلى ثورة عظمى كثورة أهل تونس، فتقتلع كل بذور الضعف الموجودة في النشيد الحالي، وتأتينا بنشيد إسلامي ينافس بحق عمالقة الغناء العربي، فهل يرزقنا الله بـ (بوعزيزي) آخر في النشيد الإسلامي؟ أسأل الله ذلك؟
فنحن ـ بصراحة ـ نريد أن نرى خلف المنشد فرقة موسيقية كاملة، تضم كل أنواع الآلات الموسيقية، فمتى يحين ذلك؟ نرجو أن يكون ذلك قريباً.