فضائيات النشيد الإسلامي
فضائيات النشيد الإسلامي
محمد حسن فقيه
مع حمى انتشار القنوات الفضائية ، وظهور باقات وقنوات كثيرة من الغناء ، التي لا تناسب أوضاعنا وأحوالنا ولا تنسجم مع فطرتنا ومعتقداتنا ، ظهرت قنوات النشيد الإسلامي لينصرف إليها الملتزمون أصحاب الآذان الموسيقية الذين يستهويهم الطرب المبدع الأصيل ، ويهز نفوسهم الصوت الشجي العذب ، ويدغدغ أحاسيسهم نغمة الشادي الحنون ، بعيدا عن الكلمات الفارغة والمعاني الهابطة ، والموسيقى الصاخية والإيقاعات الراقصة ... وغيرها ، بعد أن تحول طرب وغناء هذه الأيام إلى مستوى لا يمكن تصوره ، ولا يحسد عليه حتى من أنصاره ، وقد احتج وثار عليه كثير من أهله والمحسوبين عليه من الموسيقيين ومطربي الأمس ، بل وبعض موسيقي ومطربي اليوم بعد أن تردى حاله إلى ذلك المستوى الهابط .
ومع انتشار الفضائيات وازديادها انتقلت هذه الحمى إلى فضائيات الإنشاد الإسلامي ، لتلبية رغبة الناس الملتزمين ، وإرواء ظمأهم ، وصرفهم عن تلك الأغاني والكليبات ذات الموسيقى الصاخبة ، والمعاني الهابطة ، والتعري الفاضح ، والحركات المائعة .
ومع تعدد قنوات الإنشاد الإسلامي ، تعددت أنواعها ونماذجها ومدارسها وأطيافها ، كما أنها تدرجت من حيث التشدد والإنضباط ، أو التحرر والإنطلاق ، أو الشرود والإنفلات ، حتى شكل رأساها طرفي قوس أو زاوية منفرجة بتباعد كبير بينهما .
فبين إدارة وضعت ضوايط صارمة اكتفت بكلمات المديح والإنشاد ، بعبارات سامية ومعاني راقية ، أقرب إلى المناجاة وأصوات ابتهال الدعاة ، مع مناظر إسلامية ترافقها كالحرم والمساجد والصلاة ومناسك الحج وغيرها ........ وملقاة بأصوات الرجال ، ومتحررة من جميع أنواع الموسيقى والدف والنقر والضرب ... وغيرها من هذه الأنواع من الإيقاع وغيرها.
وبين قنوات حسبت نفسها على النشيد الإسلامي ، وتغنت بحب الحبيب المصطفى ، وقد كتبت كلماتها ، وحول الكثير منها اعتراض أو إشكال على المضمون والمعاني ، أو الكلمات التي فيها والمباني ، مما في بعضها من تأويل وتشبيه ، أو ضعف وركاكة ، بعيدا عن الفصحى والبلاغة ، ويقدمها الرجال مع النساء بشكل جماعي مختلط ، بحجاب منحسرمؤقت كاشف للنساء ، مع التزين و"المكياج " ، أو لباس مشدود وضيق ، مجسم وبعيد عن أصول الحشمة والدين ، ومع كل هذا فإنه من الطبيعي أن يرافق مثل هذا الغناء الذي يسمى نشيدا كل أنواع الإيقاع والموسيقى وآلاتها .
وقنوات أخرى تتدرج بين طرفي هذه الزاوية المنفرجة .
وإن كان لا بد من كلمة تقدم لأصحاب هذه القنوات الإنشادية والذين نحسن الظن بأكثرهم ونظن بهم الخير وحسن النية ولا نزكي على الله أحدا ، ونشد على أيديهم جميعا ونسأل الله لهم السداد والصواب ، فإننا ومن باب النصيحة وحرصا على الفائدة المرجوة ، التي نظن أن هذه القنوات قد أنشئت لأجلها فإننا نقدم بعض النصائح ، آملين أن لا ييثير فضولنا حفيظتهم ، فإنما هي نصيحة لمن شاء أن يسمع ، راجين أن تلقى من المخلصين آذانا صاغية وقلوبا واعية ، فإن وافقت الصواب بتوفيق الله فبها ونعمت ، وإن جانبته فمن الشيطان ومن نفسي .
1- أن يستشعر القائمون عليها بأن مئات الآلاف وربما الملايين يشاهدون هذه القنوات ، وأنهم المسؤولون عما يعرض ويقدم فيها من خلق وفضيلة ، وآداب ومعاني سامية ، أو ما يخالف ذلك خارجا عن الضوابط والآداب ، متخبطا بين المطبات والتجاوزات والمخالفات الشرعية ، فليتحروا وينتخبوا بدقة وحكمة ما يقدمون ويعرضون .
2- أن يتخذوا مرجعا شرعيا ثقة ، يعرض عليه ما يشكل عليهم ، ويقدر لهم ما يدعوا أومايأخذوا به من رخصة عند الضرورة ، وإلا فإنهم يتحولون من مجتهدين مأجورين مشكورين ، إلى متهمين مقصرين موزورين .
3- أن يكون المرجع والقدوة بالنسبة إليهم هو الضابط والمبدأ ، وليس قناة إنشاد فضائية انزلقت أو غيرها انحرفت ، ولا يتسابقوا مع قنوات أخرى بتتبع الرخص والأخذ بالمرجوح ، بل ليكن ذلك حافزا لهم على الثبات ، والمضي إلى الأمام بقوة وعزيمة ، لتحقيق الهدف وتأدية الرسالة على وجهها .
4- أن يكون شعارها الكلمة المضبوطة المعبرة ، والمعنى الجميل العذب ، والهدف السامي من التربية للصغار والتعليم للكبار ، وإدخال البهجة والسعادة على الجميع بالمعنى والمغنى ، فتدعو إلى التزكية والأخلاق الفاضلة في المجتمع ، مع اللحن الجميل والصوت العذب الحنون .
5 - أن تواكب كلماتها واقع الأمة فتكون على مستوى المسؤولية ، تستنهض الهمم في زمن الخطوب ، وتبث الحماس في النفوس عند الشدائد ، وتوقد العزيمة في زمن الضغف والخور ، وترشد الناس إلى الهدى والإستقامة زمن التيه والضياع ، وتحيي السنة في زمن البدعة ، وتصحح النهج في زمن الإنحراف والأهواء .
6 - استشعار عمومية القناة وتعميم الفائدة ، وعدم تخصيصها أو حصرها في جهة معينة ، أو أن تقتصر على زاوية ضيقة ، أو تدفع بفكرة محددة ، أوتحارب وتنفرمن توجه خاص ، أو تخدم حزبا مقصودا، أو دولة أو جماعة أو مؤسسة أو عشيرة أو أقلية أثنية دون غيرهم من الأمة .
7 - أن لا تتحول إلى منبر تحاري لتجميع الأموال والثراء ، وتوظيف الأهل والأولاد والأصحاب ، والأقرباء والجيران والأحباب ، بل تكون صاحبة رسالة ومبدأ ، ونهج واضح وهدي مستقيم ، موجهة لصالح الأمة وخيرها ، ويكون هدفها السعي الجاد والدؤوب لاكتشاف النوابغ والكفاءات ، وتفجيرالمواهب والطاقات ، والإستفادة منها جميعا ، وتوظيفها لخدمة الأمة .
8 - الإبتعاد عن الوسائل المشبوهة لجذب الرسائل من المشاهدين مستغلة عواطف الصغار أو جهل بعض الكبار بطريقة أشبه بالميسر المبطن ، فتهتم بتفسير الاسم وتطالع المستقبل من خلاله لصاحب الإسم ، أو تفسير الأحلام أو خلطات سرية وغيرها ...... مقابل رسالة باهظة الثمن .
9 - أن يستشعرالقائمون على هذه القنوات والمنشدون بروح المسؤولية وقيمة الرسالة التي يؤدونها ، والتحرر من عقدة طلب الشهرة وذيوع الصيت وجعلها نواد للشهرة ، وظهور الأبناء والبنات ، والأقرباء والأصجاب جريا وراء الشهرة والمظاهر ، على حساب المواهب المميزة ، والمضمون المفيد ، والأداء الكفوء عند الآخرين .
10 - الترفع والإبتعاد عن التكتلات و"الشللية " متأثرة ببعض الفضائيات أو بعض مؤسسات الإنتاح المريضة ، على حساب المواهب الخلاقة والأداء المتميز ، ولو تطلب البحث عن الجديد والمفيد ، الجهد والوقت والمال ، وإلا فإنها قد حكمت على نفسها بالتقوقع والإنحسار ، ومن ثم التلاشي والإندثار .
11 - أن لا تتحول إلى قناة خاصة للعائلة أو الأسرة أو للشخص ، هدفها المدح والتمجيد والبهرجة والتلميع بالأشخاص أو العائلة أو السلالة دون غيرهم ، متنكبة للرسالة المناطة بها والملقاة على عاتقها ، والمؤمل عليها في تبليغها ، خدمة للأمة جمعاء .
12- وضع خطة مستقبلية بعيدة ، واضحة الرؤى والتصور، طموحة الغايات والأهداف ، تعتمد فيها على التوسع والإنتشار إلى نطاق العالمية ، على مستوى الكم والكيف ، متجاوزة حواجز القوميات والبلدان واللغات ، ومتسلحة بالإستفادة من خبرات الداخل القريب أو الخارج البعيد ، متخطية حدود الزمان والمكان واللسان .
الإهداء : إلى جميع فضائيات النشيد الإسلامي ... القائمين عليها ... والعاملين فيها ... والمهتمين بها .