المرأة الكردية ضحية التطرف القومي

معالجة سينمائية لمقتل فاديما سهندال

  المرأة الكردية ضحية التطرف القومي

حسام مطلق

كانت تهمة الإساءة إلى القضية الكردية ما أعاق المخرج الكردي لاوند عمر من الإفصاح الصريح عن شخصية بطلة فلمه دموع بيخال لذلك قام بتحريف الأحداث محاولاً قدر المستطاع الإيحاء بأن المعالجة إجتماعية بحتة.

وهذه المواربة لا يمكن لغير المطلع على الأمور الداخلية في كردستان أن يدركها فالعوائق, غانيك عن التخوين, قد تصل إلى الإيذاء الجسدي المباشر من المتطرفين الكرد الذين ينشطون تحت لواء تنظيم القوميين الإشتراكيين " الكوملة " كما يحلو لأصحاب هذا التيار أن يسموا أنفسهم.

بيخال هي في الحقيقة فاديما سهندال التي قتلها أبوها بالسويد بتاريخ 20-11-2001 الكوملة وذلك حرصاً منهم على إبقاء الطريق مغلق أمام الفتيات الكرديات من الإرتباط بغير الأكراد خصوصاً وأنهن في اوربا وأستراليا والولايات المتحدة صرن بعشرات الآلاف. في تفاصيل حادث قتل فاديما أنها أحبت شاباً سويداً من أهل البلد الذي احتضنها وأهلها يوم أغلقت في وجههم الأبواب وعاشوا فترة غير قليلة من حياتهم من المعونات الإجتماعية آسوة بمعظم الأكراد الذين يعشون في المنافي. لم يكن الأب مسوراً بقرار إرتباط إبنته من سويدي ولكنه كما صرح لزوجته كان يتوقع حدوث هذا الأمر في يوم من الأيام فهو حين حضر إلى السويد أقر ضمناً بحق ذريته بإتباع أسلوب حياة جديد مخالف لذلك الأسلوب الذي تربى هو عليه. ولكن حفاظاً على سلامة العلاقات مع باق الأسر الكردية في السويد فقد إتفق الجميع على ألا تزور فاديما بيت الأسرة بعد إرتباطها بالحبيب السويدي ولذلك صار الوالدين وباقي أفراد الأسرة يجتمعون مع إبنتهم في أماكن خارج الأحياء التي يتركز بها الأكراد خصوصاً وأن فاديما إرتبطت بالشاب السويدي بتاريخ 22-2-2001 أي أنه بين قتلها وبين إرتباطها شهور عدة شوهدت فيها برفقة أهلها أكثر من مرة ولكن من قبل سويدين على حسب ما دلت التحريات الإعلامية التي أجرتها وسائل الإعلام السويدية.

الأمر لم يرق للمتطرفين الأكراد من أنصار تيار القوميين لذلك مارسوا الكثير من الضغط على الأب ليجبروه على ردع إبنته عن الإستمرار بهذا الإرتباط.ولما لم يستجب الأب لجأوا لتحريض أقربائه عليه فأطلقوا شائعة في شمال العراق أن الأب صار " كه رنه " أي صاحب قرون. ورفع الأمر درجة الضغوط على الأب الى درجة عجز فيها عن تحملها فدعا إبنته إلى بيت الأسرة للعشاء وهناك أرداها قتيلة لينقذ شرف العشيرة في كردستان العراق. وطبعا فعلت التهديدات دورها في لجم الأم والأخوات عن الإفصاح عن المحرض الحقيقي لإرتكاب تلك الجريمة البشعة التي دمرت قصة حب جميلة وشردت أسرة.

لقد تعامل لاوند عمر بذكاء مع قضية العنصرية في فلمه دموع بيخال فترك التفسير ليس للكلمات أو الإفصاح الصريح بل لقسمات وجه حبيب بيخال المفترض, فملامحه غير الكردية الصريحة أوصلت المراد. كما أنه أستبدل القتل بالإغتصاب والنتيحة في النهاية طبعاً واحدة ألا وهي المحافظة على الجميع منطوياً تحت لواء القيم الأثنية العقيمة. كما أنه إستبدل العنصر السياسي في القضية بالتخلف الإجتماعي حين رمز للكوملة بأبن العم, وهذا الإستبدال ليس بمنكر فالتخلف الإجتماعي بجزأ كبير منه راجع إلى الأداء السياسي, حيث يعمل تيار القوميين الإشتراكين على شحن القومي وتغذية العنصرية للحفاظ على دور فاعل في الحياة العامة, باذلاً كل ماهو ممكن لرفع القيم القروية على حساب التمدن إذ غالبا ما يفض القرويين من الإنتماء لهذا التيار بمجرد ملامستهم للحياة المدنية. تماماً كما كان رجال الدين في العصور الوسطى يحاربون بأسم المسيح أي محاولة تحررية   من أجل الحفاظ على مصالحهم الخاصة والشخصية.

لقد كانت السينما على الدوام أحد المحركات الأساسية للقضايا الإجتماعية والسياسية وهذا في جميع البلدان وهي في احيان كثيرة تخرج عن الخط العام المتوافق عليه كما هو الحال في فلم GFK الذي عالج قضية إغتيال كندي برؤيا جديدة وفلم المفقود الذي يفضح الممارسات الأمريكية في أميركا اللاتينية وكذلك فلم إمرأتان الذي فضح ممارسات كل الخصوم في الحرب العالمية الثانية وفلم الكرنك الذي فضح ممارسات المخابرات المصرية وفلم الحدود الذي عالج النفاق الرسمي العربي في التصدي للقضايا المصيرية والفردية في آن. ولم يتهم أحد مخرجي تلك الأفلام بالخيانة أو تعرضوا لهم بالأذى لذلك جاءت معالجتهم صريحة وغير ملتوية. نحن هنا لا نلوم لاوند عمر فهو شاب ومن حقه أن يخاف على حياته, بل على العكس نحن نحي جرأته ومخاطرته الشجاعة تلك. ولكننا ننتقد هذا التعفن الذي يسيطر على عقول البعض وإندفاعهم بأسم القومية والتراث والتقاليد إلى قتل حب والجمال في الحياة الإنسانية. بل إن الإساءة الحقيقة للقومية والقيم والتراث هي في ذلك الإستغلال البشع لهم في سبيل مصالح إنتخابية آنية ومحدودة, إنهم يبقون مجتمعاً وشعباً بأكمله أسير التخلف والجهل كي يستمروا في حكمه بدون مناقشات جدية.

هذا الإشمئزار يولده لنا تصورنا للمعاناة التي عاشها لاوند عمر وهو يحول إخراج فلمه وإيصال الرسالة والبقاء حياً. فالمشكلة بالنسبة لنا ليست الموربات التي قام بها لاوند عمر بل في الأسباب التي دفعته إلى ذلك. ومع ذلك هو لم ينجوا بل تعرض لسيل من الإنتقادات اللاذعة, كما صرح بذلك حين قال أن الغريب ان يعجب البسطاء والعاميون بالفلم فيما ينهال عليه الصحفيون والنخب منتقدين. وهذا الإنقسام يؤكد أن حالة الجهل التي يعيشها شمال العراق هي حالة تجهيل أكثر منها جهلاً, فالعامة سعيدة بالطرح ولكن المسيسون من الصحفيون وباقي النخب هم من يسنون سكاكينهم على هذه المحاولة الفنية الفتية. بقي أن نذكر أن السيد لاوند عمر أخرج فلمه بكميرا فيدو منزلية واحدة فقط نظراً لضعف الإمكانات وأن عمره فقط سبعة وعشرون عاماً أفلا يستحق هذا الشاب الثناء والتشجيع وبعض المال الذي يحصل عليه المنافقون والمغالون في الشعارات؟. على الأقل فإن لاوند عمر سوف يطور به جماليات المجتمع, ولكن يبدو أن المطلوب هو القبح وإستمراره, فبهذا القبح تستقر نتائج الإنتخابات لتيار القوميين الإشتراكيين في الإتحاد الوطني الكردستاني .