دردشات مع المنشدين(3)
دردشات مع المنشدين
على هامش تصوير حلقات البرنامج الخاص
بالأغنية الملتزمة في قناة الرسالة
( 3 )
ثقافة المنشدين
نجدت لاطـة
الذي ضايقني وجعلني أكتب هذا المقال المحاورة التي دارت بيني وبين أحد المنشدين الذين صوّروا في حلقات البرنامج ..
ـ فقد سألته : هل تدخل على المنتديات الإنشادية ؟
ـ فقال : لا .
ـ فهل تدخل على منتدى إنشاد ؟ باعتبار هذا المنتدى أكبر المنتديات الإنشادية وأهمها ..
ـ فقال : لا .
ـ فسألته عن السبب .. فقال : الذين يدخلون على المنتديات هم من الشباب الصغار ، لذا نجدهم يعلقون تعليقات بسيطة ليس لها أهمية ..
فقلت له : ولكن لا بد للمنشد أن يتابع هذه المنتديات ليعرف رأي الجمهور عن أناشيده وعن كل ما هو جديد في النشيد . ثم هناك مقالات جادة في نقد النشيد وتقييمه وتطويره ..
ـ ثم سألته : هل تدخل على موقع أدباء الشام ؟ باعتبار أن هذا المنتدى لا يكتب به الشباب الصغار ، وفيه قسم خاص بالفنون الإسلامية منها النشيد .
فقال : لم أسمع به .
فقلت له : هل سمعت بواحد اسمه نجدت لاطة يكتب في نقد النشيد ؟
فقال : لا .
فقلت في نفسي : يا خيبتك يا نجدت ، إذاً لمن تكتب ؟ هل تكتب للمنشدين فـي الصين ؟ ثم بلعت ريقي وأنا أعاهد نفسي على زيادة الحدة في نقدي للنشيد الإسلامي الذي يعيش منشدوه على هامش الثقافة ..
وأنا أتمنى أن أدخل على بيت كل منشد لأرى مكتبته الخاصة ، وأتمنى أن أسأل كل واحد منهم عما يقرأ .. لأني ـ بصراحة حادة ـ لا أثق في ثقافة الكثيرين منهم ، لأنهم لا يقرأون ، وأنا هنا لا أحب أن أحسن الظن بهم ، لأن الواقع الإنشادي يوحي بذلك ، وما زلنا نفتقد إلى جهابذة في فن النشيد .
لقد اطلعت على السيرة الذاتية للمطربة أم كلثوم ، فرأيتها جبارة في الثقافة لا سيما الثقافة الفنية ، وقد كانت تأخذ دروساً خاصة عند الشاعر أحمد رامي في تعلم العروض وفي دراسة الشعر العربي قديمه وحديثه .. بالإضافة إلى دراسة علم النغم والتدرب على الآلات الموسيقية وغير ذلك مما يتعلق بالفنون الغنائية ، ثم هي كانت تحيط نفسها بأكبر المثقفين في مصر من ملحنين وأدباء وشعراء وصحفيين وساسة ، وكانت تستمع لهم وتناقشهم وتستفيد منهم ، بل إن جمال عبد الناصر نفسه كان يتناقش معها أحياناً في موضوعات أغانيها ..
وقل الشيء نفسه عن كبار المطربين ، سواء في مصر أو في سوريا ولبنان أو في سائر الدول العربية .
أما حين نقلب صفحة المطربين ونفتح صفحة المنشدين فنحن نرى شيئاً عجباً ، وأنا لا أتكلم إلا عن المنشدين من الطبقة الأولى ، فنرى الثقافة العامة عندهم ـ بل وحتى الثقافة الفنية ـ دون المستوى المطلوب ، وقراءة الكتب الفنية ومتابعة أخبار الساحة الفنية هي أيضاً من الترف الثقافي عندهم . وقد تحدثت مع الأستاذ سليم عبد القادر بهذا الشأن فكان مما ذكره أن المنشدين ـ عموماً ـ ينقصهم الثقافة التي تؤهلهم لحسن انتقاء الكلمة الجميلة .
وإذا نظرنا إلى الأناس الذين يحيطون بالمنشدين فلا نجد جهابذة في الثقافة ، وإنما هم من أنصاف المثقفين .. فلا نجد كبار الشعراء حولهم ، ولا نجد كبار المفكرين ، ولا العلماء ، أما في قضية التلحين فنحن لا يوجد عندنا ـ أصلاً ـ ملحنون كبار ، لذا نجد المنشد يقوم بنفسه بالتلحين ، اللهم إلا ما ندر . وأنا لا أدري لماذا لا يقوم المنشدون في كل بلد بعقد جلسة أسبوعية أو جلسة شهرية لمدارسة ومناقشة كل جديد في عالم النشيد . وهذه الجلسة تسمى الصالون الفني ، يعني مثلما كان الأدباء والشعراء يفعلون على زمن طه حسين والعقاد والرافعي ومي زيادة .. أسأل الله تعالى أن يلهم منشدينا ذلك .
ومما جعلني أيضاً أن أكتب هذا المقال هو المستوى الثقافي الذي ظهر به المطرب الملتزم سميح شقير ، فقد كان أفضل من كل المنشدين الذي صوّروا في البرنامج ، وكانت حلقته أفضل حلقة ، وبصراحة لقد كان سميح شقير أكثر فهماً ووعياً وثقافة وفناً ، وكانت ألحانه ـ وهي من تلحينه ـ رائعة وتنمّ عن قدرة فنية عالية عند صاحبها ..
أما المنشدون فكانوا أقل من سميح شقير ، وكانت إجاباتهم على أسئلة الأستاذ إيمان بحر درويش ليس فيها العمق الفني والثقافي . لذا كنت ألاحظ أن الأستاذ إيمان يتدارك هذا الضعف الثقافي في المنشدين فيحاول أن يصحح المعلومات التي يذكرها المنشدون ، بل ويضيف أحياناً معلومات فنية و آراء نقدية . وقد حمدت الله كثيراً على وجود الأستاذ الكبير إيمان بحر درويش .
أنا أشعر أن الساحة الإنشادية تحتاج إلى نفضة فنية ، أو لنقل إلى ثورة فنية تقلب الموازين رأساً على عقب ، فتعيد ترتيب الحركة الإنشادية من جديد . هل ـ يا ترى ـ يمكن أن تحدث هذه الثورة ؟ يمكن أن تحدث هذه الثورة إذا رجع المنشد أبو راتب من أمريكا ، أمَا وهو بعيد يعيش خلف البحار والمحيطات ، فلا أظن أن مثل هذه الثورة تحدث ، اللهم إلا ظهر نابغة جديد .
ــــــــــــــــــ
ملاحظة عابرة : كتبت سابقاً مقالاً تحت عنوان ( ثقافة المنشد ) يتحدث في الموضوع نفسه ، وهو موجود في موقع رابطة أدباء الشام ( قسم الفنون ) ..