بضعة مني

مروان قدري مكانسي

بضعة مني

مروان قدري مكانسي

لم أكن أحبُّ الحديث عن نفسي يوما من الأيام ، ولا عن إنتاجي الفني أو الأدبي ، ولكن الذي دفعني للكتابة اليوم هو ما وجدته من السيد / نجدت لاطة من تجاهل لعمل فني كان له وجود مميز في الساحة الفنية في منتصف السبعينات في القرن المنصرم وذلك ـ إن أحسنت الظن ـ بسبب عدم معرفته بهذا العمل وصاحبه ، وحتى أميط اللثام عن هذا العمل ، وحتى لا يبقى له عذر في تجاهله أقول :

العمل الفني هو : شريطان للبراعم المسلمة صدحت بها بلابل حلب الشهباء ومن مسجد فاطمة الزهراء ، ولهذين الشريطين قصة ذات عبرة لا يعرفها الكثيرون وهي أنني

كنت أعمل في هذا المسجد أنا وأخي برهان الذي يكبرني بسنة واحدة ، وكنا نقيم في المسجد مدرسة صيفية نربي فيها أبناء الحي على تعاليم الإسلام الحنيف . وقدحت في ذهني فكرة ـ وأنا المشرف على المدرسة وقتها ـ أن أجمع كل الطلاب في وقت واحد على مراحل أعمارهم المتفاوتة وأعطيهم بعض الأناشيد الهادفة يتغنون بها لتكون بديلاً عن الأغاني الرخيصة التي كانت سائدة وقتذاك ، جمعتهم في حرم المسجد وكان عددهم يزحف نحو المائتين ، وكتبت لهم على السبورة النشيد الأول للأستاذ وليد الأعظمي يرحمه الله وكان :

شـباب الإله  هداة iiالشباب
أهـاب النبي ونادى iiالكتاب


تعالوا تعالوا لفصل الخطاب
فطوبى  لعبدٍ دعا iiواستجاب

إلى الله ندعو إليه المآب

وبدأت أترنم به أمام الجموع البريئة وهم يتأرجحون أمامي ويتمايلون ، حتى شعرت بأن اللحن قد انصقل في عقولهم وأذهانهم وبدا ذلك جليَّا على ألسنتهم فبدأت أختار منهم من يشير بيده على استعداده وحفظه ، وسمعت لكل الذين رفعوا أيديهم وكان عددهم يقرب من النصف ، واصطفيت من المائة خمسة فقط ، وطلبت منهم أن ينشدوا مجتمعين فكانت المفاجأة .... أصواتهم غاية في العذوبة ، أداؤهم قمة في الإتقان ، انسجام أصواتهم ذروة في الإبداع ....

طلبت منهم أن ألتقيهم  وحدهم بعد صلاة العصر ولم أتعرَّف على أيٍّ منهم ، بل لم أحدد لهم أي عصر أريد  لأن المدرسة كانت حتى صلاة الظهر وأنا أريدهم وحدهم بعيداً عن الضوضاء.

في نفس اليوم وبعد صلاة العصر فوجئت بهم يقرعون باب غرفتي ، رحَّبت بهم وسألت عن أسمائهم فإذا بهم : منذر و وضاح ( وهما أخوان ) ومحمد وصلاح وعماد ( وهم إخوة )

وأنهم جميعاً يسكنون في عمارة واحدة .

لا أدري لماذا هتف هاتف في داخلي ساعتها بأنه لا عذر لك يا مروان بعد اليوم :خمسة من البراعم البريئة الطاهرة بين يديك تعجنها وترعاها كما تريد .. وهم جيران ..فإذا رغبت في لقائهم ووجدت أحدهم جمع لك بقية العقد النضيد بلمح البصر .

بدأت معهم واستعذبت عذابهم ،  وبدأت أنتقي من الألحان أعذبها ، وألحن لهم بنفسي حتى عرفت معهم وبهم معنى الأبوة ( وأنا لم أدخل القفص الزوجي بعد ) حتى غدوا بضعة مني ،  وكان الإخلاص رائدنا ، والمحبة تجمعنا ، والألفة سمتنا ، واندمجت الأسرتان – وقد كانتا متنافرتين - وزال الغبار الذي كان عالقاً بينهما ، وعشت معهم خمس سنوات أنتجنا فيها شريطين اثنين ، وكنت أعدُّ للشريط الثالث ولكن القدر لم يسعفنا بذلك ، وكنت أطوف بهم في جميع مساجد حلب ، وكتب للشريطين الانتشار العظيم ، حتى أخبرني أخي الأكبر ( عثمان ) أنه وجدهما في الجزائر يوم أن كان مبتعثاً هناك ،   بل أكثر من ذلك فلقد حمل إلي أحد الإخوة رسالة ـ أعتز بها ـ وهي من الداعية الكبير  الأستاذ الدكتور  يوسف القرضاوي( حفظه الله) مفادها ( بعد الشكر والثناء ) : أنه طاف المراكز الإسلامية في العالم كله فوجد الشريطين أمامه ، ووصل الشريطان كل البقاع الإسلامية ، وبيع منه مئات الآلاف والحمد لله رب العالمين ، ولم نتقاض من هذا العمل إلا دعوات الصالحين .

ولقد قام بعضهم بطباعة محتوى الشريطين في كتيب قذف به إلى المكتبات دون إشارة إلى صاحبه أو إذن منه ،  والأدهى من ذلك أن الذي قدّم له أديب كبير لا يخفى عليه قصة الشريطين وكنت أنتظر منه إشارة لما أعرف فيه من الإنصاف ، فلم يفعل .

بعد هذا الذي كتبت ، أترون أني أمطت اللثام أم ليس بعد ؟؟