هل نقول للخط العربي وداعاً

الخطاط معصوم محمد خلف

بقلم الخطاط : معصوم محمد خلف

أشياء كثيرة وأمور عديدة اقتبسناها في مشوار حياتنا المليئة بالمواجع المتراكمة والآلام المتلاحقة والإخفاقات المتكررة التي تجعل من المستحيل أن نقف على عتبة من عتبات الإبداع ومفرداتها العديدة .

ففي الوقت الذي كنّا نأمل خيراً من المسابقات الإبداعية في حقل فنون الخط العربي بمحافظة الرقة والتي كانت تحمل اسم أحد أعلام الخط والكتابة ، فأضحت إحدى عواصم الخط العربي العالمية كاستانبول وطهران وبغداد .

حيث كانت تلك المسابقة السنوية تعتبر منهاجاً للخطاطين يتبارون في تجديد هذا الفن بالمساهمات الفعالة والتدريب المستمر ، وهي عبارة عن ترابط قوي بين الخطاطين في أرجاء هذا الوطن الغالي والذي لا يجمعهم فيها إلا أنين القصب الحزين وزفرات من الحبر المعتق الذي أبى أن يتسكع في أسواق الحداثة والعولمة والانترنت .

 فكان الخطاط يتفاعل و يحس أن هناك مَن يهتم بهذا الفن الجميل ، وخاصة عندما يكون مدير الثقافة الذي يحتضن مثل تلك المساهمات خطاطاً ومتمرساً على فنون الكتابة والخط العربي

وهو واحدٌ من الذين ساهموا في المسابقات العالمية للخط العربي ضمن مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلاميّة باستانبول والتابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي .

ولكننا فوجئنا بأن الأستاذ المبدع والذي يشرف على مسابقات الخط العربي قد تم تنحيته من منصبه ، واستبدل بشخص آخر ، لا ندرك مواهبه ولا نعلم نشاطاته ...... فتناثرت أوراقنا وتشتت أحلامنا وهرب الإبداع بسلته الذهبية إلى غير رجعة  ، وقد كنا نحن الخطاطين الذين هُمشنا من قبل التكنولوجيا الحديثة والحواسيب الدقيقة ،كنا نتفاءل بأن تخطو بعض المحافظات ما تفعله محافظة الرقة من الجهد في سبيل رفعة هذا الفن الذي يهذّب النفوس ويربّي الأجيال  الناشئة نحو الفضيلة والذّوق الحسن ، حيث كانت تلك المسابقة نواة حقيقية لإبداع أصيل ،ولا يمكن لهذه الكلمات البسيطة أن ترثي النفس المتعطشة التي اكتوت بنار الإبداع وخاصّة أننا ما زلنا نعاني من التهميش بحيث يتم الاعتماد على  الأشياء المستهلكة مقابل التأصيل وتفعيل الإبداع . 

وأن الرجل المناسب لا يمكن أن يستقر في المكان المناسب ، لأنه لو بقي لأصبح محطة لطيور الإبداع لتستقر وتبني أعشاشها وتعطي ذخيرة معطاءة لأساليب عديدة وابتكارات متنوعة تدخل جميعها في خدمة التراث الإنساني  ، ولكن هذه ليست من خصوصياتنا و التي تجعلنا نبتعد عن  سلّم التطور ودرجات الإبداع في مواكبة العصر برداء التقنية والاعتماد على الذات .

ذلك أن الدوران حول العناصر الغامضة والمبهمة في دائرة مفرغة هو من الركائز المهمة التي نتشبث بها ونعتمدُ عليها وهي منهج نتخذه لنفرغ القلوب من ميّزة الإبداع ونجففَ الينابيع التي تروي الظمأ الإبداعي في جميع حقول الحياة ، وهل الخط هو الجنازة الأولى التي نخلعها لنلتحق بركاب الحضارة والتنمية وهي أس نهضتنا وعماد ثقافتنا ومنهاج إبداعنا وهي من الثوابت التي يجب علينا الدفاع عنها ، فنشر ثقافتها وتكريم رموزها من الأولويات التي نستند عليها في مجال المخطوطات والتراث ، والتي ما إن فقدتها الأمة حتى تصبح وعاءً فارغاً من الجوهر الذي يكتنـز في تلافيف ذلك التراث وتلك اللغة .

   فالخط العربي إلى جانب مايتضمنه من الجماليات المتفردة ، يحمل في طياته أيضاً رسالة هامة في ضبط السلوك نحو الفضيلة وتربية الذوق نحو الرفعة والسمو ليلتحم في جعل الإنسان نباتاً حسناً تهفو إليها النفوس التواقة للإبداع والكمال .

وإن الواقع الذي يعيشه الخط العربي واقع غير متفاءل بالنسبة لمكانتها وقيمتها في الحياة العلمية والعملية ونناشد كافة المسؤولين الذين تقع على عاتقهم حماية هذا التراث بشتى الوسائل والسبل ليصبح ذلك الفن صناعة تدخل في ميادين حياتنا التعليمية والثقافية والاجتماعية .

ويظل الخط العربي هو الرابط القومي والعروة الوثقى للحضارة العربية والإسلاميّة والبحث فيه واجب إنساني وأخلاقي ، فهو يعبر عن تطور أمة وتقدم شعب وأصالة تراث يحفل بكل أشكال العلم والمعرفة وما وصل إليه الخط العربي من تواصل وتطور ما هو إلا تراكم معرفي وحصيلة نوابغ وعظماء جعلوا من الحرف الكتابي ألواناً من النسيج الإبداعي الذي يتضمن الصورة والشكل والحقيقة والجوهر.