الفنّانة أصليكا قادر 1946م

الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكرديّ.. الشّمعة الثّامنة:

الفنّانة أصليكا قادر 1946م...

نارين عمر

[email protected]

امرأةٌ أقلّ ما يمكن أن يُقال عنها إنّها امرأة جبّارة وقويّة على الرّغم من دفقات العاطفة الجيّاشة التي تلفّ كلّ خلاياها, لأنها بفضل صلابتها وإرادتها القويّة استطاعت أن تجابه الزّمن بكلّ تغيّراته والقدر بكلّ طقوسه وتقلّباته, وهي التي فقدتْ زوجها بعدما أوعز القدرُ إلى الموتِ كي يخطفه وهو يعانقُ نسائمَ الشّبابِ, وهي تداعبُ خصلاتِ الرّبيع وتقولُ لها: أنا أكثر تألقاً منك من دون أن تعرفَ أنّ ربيعها في آخر أوانه ويتهيّأ للرّحيل المفجع, ما حمّلها مسؤولية الأسرةِ كاملة, فتقوم بدورِ الأب والأمّ معاً, هذا الدّورُ الذي يعدّ من أصعبِ الأدوارِ التي قد يلعبها الإنسانُ وخاصة المرأة الشّابة وفي ظلّ الوضع السّيءِ الذي تعيشه المرأة في مجتمعاتنا, فلعبتْ دورها بامتياز, وأدّتْ رسالتها بأمانةٍ ووفاءٍ  وفي هدوءٍ وسكينة, ووفرتْ لأولادها حياة آمنة وهادئة.

على الرّغم من هذه الحياةِ الصّعبةِ التي عاشتها أصليكا فإنّها لم تهملْ موهبتها الفنّيّة, ولم ترضخ للظّروفِ التي حاولتْ النّيلَ منها, بل تابعت مسيرتها الفنيّة, وأصرّت على أن تساهمَ مع الفنّاناتِ الكرديات الأخريات في النّهوض بالفنّ الكرديّ الأصيل, وتساهمَ من خلاله أيضاً على تعريفِ الآخرين بقضيّةِ المرأة وما تعانيه في مجتمعنا الكرديّ والمجتمعاتِ الأخرى, بالإضافةِ إلى تغنيّها بالوطن والأرض والطّبيعةِ والإنسان والعالم الذي تحلمُ به, ويحلمُ به كلّ محبّ للحياةِ والمستقبل.

أصليكا قادر, فنّانة مثقفةٌ ومتكلّمة لبقة وسياسيّة متمكّنة, تملكُ القدرة الهائلة على التّحاورِ والمناقشةِ والإقناع (وقد لاحظنا عليها ذلك من خلال لقاءٍ تلفزيونيّ أجرته معها إحدى القنوات الفضائية الكردية), وتغنّي بصدقٍ وإحساسٍ حتى يخالُ إلينا أنّها والأغنية التي تؤديها يصبحان كلاً واحداً متماسكاً, وهذه الصّفة لا يمتلكها إلا الفنّان الصّادق والمطربُ الحسّاس .

ولدتْ وبحسبِ معلوماتٍ غير دقيقة لديّ في منتصف أربعينياتِ القرن العشرين وظهرتْ كفنّانة وسياسيّة كردية  في وقتٍ شهدَ على ظهور عمالقة الكرد في الفنّ والأدب والسّياسية في روسيا ( الاتحاد السّوفياتي سابقاً), وعلى الرّغم من ذلك فقد استطاعتْ أن تجلبَ إلى فنّها وصوتها وأدائها المتميّز الأنظار, وكان لإذاعة (يريفان) القسم الكرديّ فضلٌ على انتشارها في عالم الغناء الكرديّ إلى جانب عشرات الفنّانين والفنّانات الكرد الآخرين.

تؤكّدُ على أنّها أوّلُ مَنْ غنّتْ أغنية ( ولاتى مه كردستانه  Welatê me Kurdistan e ), هذه الأغنية التي أصبحتْ ومنذ ذلك الوقت بمثابة النّشيد القوميّ الثّاني للكردِ بعد نشيد ( أي رقيب =Ey Reqîb ), وما زالتْ الحناجرُ الكردية تردّدها حتى يومنا, وتتناقلها الأجيالُ جيلاً إثر جيلٍ , وهي بحسب المعلوماتِ المتوفرة لديّ من كلماتِ الشّاعر الكرديّ ( مجيد سليمان) من كرد كازخستان.

بستانُ فنّها مثمرٌ بمختلفِ أنواع الغناءِ فنجدُ إلى جانب الأغنية القوميّة, الأغنية الاجتماعية والعاطفية والرّومانسية, ولا تنسى الارتشافَ من منهل التّراثِ الكرديّ ليكونَ رافدها الخيّر إلى عالم الفنّ الكرديّ الأصيل, وهي تؤدي مختلف أنواع الغناءِ الكرديّ بجدارةٍ وتفوّقٍ مميّزين.

أصليكا قادر تؤكّدُ يوماً بعد يومٍ أنّها تزدادُ تألقاً وحيوية في عالم الفنّ الكرديّ, وأنّ اسمها سيُدوّن بأحرف الخلد في صفحاتِ تاريخ الفنّ الكرديّ لأنّها فنّانة ملتزمة في حياتها وفي فنّها وغنائها, ومفعمة بمشاعر العشق لكلّ المحيطين بها ولشعبها ولكلّ البشر, على الرّغم من أنّها لم تأخذ بعدُ نصيبها من الرّعايةِ والاهتمام في عالم الإعلام الكرديّ من صحافةٍ وإذاعة وتلفزيون, ولم تتلق حتى الآن الاهتمام الإعلامي الكافي بها كفنّانة صادقة وملتزمة وكرائدة من رائدات الفنّ والغناءِ الكرديين منذ ستينياتِ القرن العشرين وحتى يومنا هذا, وما زلنا نتأمّل ونؤمّل أنفسنا وأسماعنا بأن تتنبّه وسائل إعلامنا إلى هؤلاء الفنّانين والفنّانات وتحضنهم بحبّ وعطفٍ ورعاية, ليردوا إليهم جزءاً من معروفهم وجميلهم.