حوار مع شيخ المنشدين محمد أمين الترمذي

حوار مع شيخ المنشدين محمد أمين الترمذي :

نقل ألحان الأغاني إلى النشيد..

دليل ضعف وإفلاس  

أجرى الحوار: نجدت لاطة

الأردن ـ عمان

استطاع النشيد الإسلامي أن يقف في الساحة الفنية على قدمين ثابتتين, وأن يكون بديلاً عن الأغاني التي تتنافى ـ في كثير من مضامينها وأشكالها ـ مع تعاليم ديننا الحنيف. وقد كان النشيد قوياً في نشأته, وكان المنشدون على مستوى عالٍ في الأداء الفني صوتاً ولحناً, إلا أنه بعد اتساع رقعة النشيد دخلت أصوات جديدة لم تلقَ قبولاً عند الجمهور, لضعف الصوت أو قلة الخبرة الفنية.

وقد كان هذا اللقاء مع المنشد الكبير محمد أمين الترمذي ليحدثنا عن خبرته الفنية الطويلة ويلقي الضوء على مسيرة النشيد الحالية:

* حدثنا عن بدايتك الفنية, فأنت لك تاريخ طويل في الإنشاد؟

ـ  تعود بدايتي الفنية إلى مرحلة الخمسينيات, وبالتحديد إلى عام 1958, وكان عمري يومها 13 سنة, وكنت أتردد على المساجد في مدينة حلب, وأشارك في الأناشيد الدينية كالابتهالات والمدائح النبوية والموشحات وغيرها. وكانت تروق لي هذه المشاركة, وشعرت باندفاع نحو الإنشاد. ومع مرور الأيام تعلقت بالنشيد, وصرت أحتك بالمنشدين وأتعلم منهم.

* من أبرز المنشدين في تلك الفترة؟

ـ  صبري مدلل ومحمد خيري وصباح فخري, وقد انتقل الأخيران إلى الغناء. وكان الجميع من منشدين ومطربين تلاميذ عند بكري الكردي الذي يُعدّ من عمالقة النشيد والغناء في سورية. وبشكل عام كان الكل ينشد ويغني, فإذا حضر المنشد إلى المسجد أنشد الأناشيد الدينية, وإذا حضر عرساً غنى الموشحات والمّوالات, ولكن دون ابتذال كما هو حاصل اليوم مع المطربين.

* هل كان الاحتكاك بالمنشدين كافياً لأن تكون منشداً؟

ـ  طبعاً لا, ولكن الاحتكاك بهم أعطاني خبرة عميقة بفن الإنشاد والتلحين, ولم أكتفِ بذلك وإنما تعلمت هذا الفن من اثنين كان لهما تأثير كبير عليّ, الأول: أستاذي عبد الوهاب الصباغ, وكان منشداً مختصاً بالأناشيد الدينية, والثاني: الأستاذ رضوان رجب, وكان شاباً في نفس عمري, وقد برع في الموسيقى فيما بعد. وكنت ألتقيه ونجلس سوياً الساعات الطويلة أتعلم منه. ومن خلاله تعرفت على فن الموسيقى والألحان, وعلى يديه درست أصول هذا الفن وقواعده. ومن هنا بدأ التزامي بالأصول الفنية. وأريد أن أقول إن فن الموسيقى والألحان والإنشاد ليس اعتباطاً, وإنما له أصول وقواعد, ولا تكفي الموهبة, ولا يكفي الاحتكاك بأهل الفن, بل لابدّ من العلم والدراسة والممارسة والخبرة الطويلة والعميقة. وصرت بعدها أشتري كتباً في علم الموسيقى, وأذكر أني اشتريت كتاب( فلسفة الموسيقى الشرقية) لمؤلفه ميخائيل خليل الله. وهذا الكتاب يعتبرمنجماً في علم الموسيقى, وقد استفدت منه كثيراً, والتقيت مؤلفه في دمشق واستفدت منه أيضاً.

* كناحية فنية, ما رأيك بالأناشيد الدينية القديمة والموشحات والقدود؟

ـ  هي في القمة ولا يُعلى عليها.

* وكيف تمّ انتقالكم إلى النشيد الدعوي؟

ـ  في بداية الستينيات صرنا نسمع أناشيد حركية ودعوية, منها نشيد (يا تلاميذ محمد) للشاعر محمد إقبال ومطلعها:

صلى الله على محمد       صلى الله عليه  وسلم

حطموا ظلم   الليالي       واسبقوا ركب المعالي

واتركوا كل  الغوالي       وانصروا  دين محمد

صلى الله على محمد       صلى الله عليه  وسلم

وسمعنا نشيداً آخر مطلعه:

ربِّ, الأعداء قد ظلمونا كدهم يا قهارْ

عذبونا وما رحمونا خذ منهم بالثـارْ

* أنا سمعت هذه الأناشيد, وهي جميلة جداً وألحانها قوية ورائعة, فهل يمكن القول إن النشيد الدعوي بدأ قوياً؟

ـ  هذه الأناشيد كانت قليلة ومتفرقة وغير مسجلة على أشرطة, ولكن يمكن القول إن النشيد بدأ قوياً وبشكلٍ منظم ومسجل في الأشرطة في منتصف السبعينيات على يد المنشد ( أبو مازن ) ثم تلاه أبو جود ثم أبو دجانة .

* بالنسبة لك ؟

ـ  بدأت أنشد الأناشيد الدعوية في مطلع السبعينيات في المساجد والمجالس، ولكن لم أسجلها على الأشرطة، وكنت يومها أشعر وبقية المنشدين أن الإسلام مستهدف وأن النشيد يجب أن يتصدى لأعدائه، لا سيما أن النشيد الدعوي كان يروق للشباب المتحمس ويناسب روح العصر, وصرت بعدها أتابع القصائد التي تنشر في مجلة حضارة الإسلام، وأذكر أن قصيدة " يا تلاميذ محمد "

استهوتني فوضعت لها لحناً جديداً وأنشدتها, وكذلك لحنت قصيدة :

الليل   ولى   لن  يعود        وجاء  دورك  يا  صباح

وسفينة الإيمان  سارت         لا  تبالي        بالرياح 

ولحنت أيضاً القصيدة المشهورة " هو الحق يحشد أجناده " ثم أصدرت الشريط الأول تحت عنوان( أنا الفقير إليك يا رب ) وكان ذلك في عام 1978 وما بعدها, ومرت الأيام والسنون حتى وصل عدد الأشرطة التي أصدرتها إلى اليوم إلى ثلاثين شريطاً تقريباً, ومعظم أناشيدها من ألحاني, والحمد لله أنها لاقت قبولاً طيباً عند الجمهور .

* ما تقييمك لحركة النشيد اليوم , لأني ـ بصراحة ـ لا أستسيغ كثيراً مما هو موجود في الساحة ؟

ـ  المشكلة أن معظم المنشدين لا يعرف شيئاً عن اللحن والتلحين والمقامات والسلم الموسيقي, ولا يقرأ عن فن الموسيقى والألحان. وتجد أحدهم يقول لك: أنا يكفيني أن صوتي جميل فأقوم بحفظ اللحن ثم أنشده.

* هل نصحت هؤلاء المنشدين؟

ـ  كثيراً ما فعلت ذلك, وكثيراً ما يأتونني إلى البيت يسألونني عن التلحين والمقامات والموشحات فأستقبلهم وأعلمهم, وقد أقمت لهم بعض الدورات في الثمانينيات, ومنها دورة خاصة لشباب نادي اليرموك في عمان.

* لماذا لا تقيم دورات أخرى خارج الأردن, لأن المنشدين في الدول الأخرى بحاجة ماسة لمثل هذه الدورات؟

ـ  أنا مسعد لذلك, ولكن هذه تحتاج إلى دعوة توجّه إلي من قبل من يرغبون في هذه الدورات .

* هل دعيتم إلى خارج الأردن للإنشاد ؟

ـ  دعيت إلى الإمارات وأوروبا وأمريكا وذهبت إليها وأقمنا الحفلات والمهرجانات الإسلامية .

* توجد ظاهرة عند بعض المنشدين وهي نقل ألحان الأغاني إلى النشيد. هل هذه الظاهرة طبيعية أم أنها تدل على عجز وضعف وإفلاس إبداعي ؟

ـ  طبعاً تدل على عجز وضعف وإفلاس.

* ولكني سمعت أن المنشدين والمطربين كانوا يستعيرون الألحان من بعضهم.

ـ  هذا صحيح, ولكن كان الطرفان على مستوى عالٍ من الناحية الفنية, ولا حرج في هذه الحالة بتبادل الألحان, وعلى سبيل المثال: أغنية( فوق النخل) وأنشودة (فوق الحرم) إلى الآن لا ندري من أخذ اللحن من الثاني. أما النشيد اليوم فهو الآخذ فقط, وهذا يدل على الضعف.

* ما الصفات الأساسية في المنشد وكيف يتكوّن فنياً؟

ـ  حتى يكون المنشد منشداً حقاً ينبغي أن تكون لديه الموهبة أولاً, ثم عليه أن يسمع مئات الألحان القديمة, وأن يتعلم كيف تصاغ الجملة الفنية, مثلاً: مقام الصبا, كيف تصاغ منه الجمل وكيف ينسجم أو يندمج مع غيره من المقامات, وكيف الانتقال من مقام إلى أخر, وهل هذا الانتقال  سليم وموفق تستسيغه الأذن؟ وعلى المنشد أن ينوّع في المقامات لا أن يركز على بعضها  ويكررها دائماً في أناشيده, ففي هذه الحالة سيملّ المستمع منه. والمشكلة أيضاً أن بعض المنشدين تجد في ألحانه مقامين أو ثلاثة فقط, في حين أن المقامات كثيرة, منهم من أوصلها إلى مائة مقام.

* كان النشيد في السابق يتجه إلى فئة محدودة من الناس وهم المتدينون, واليوم انتشر النشيد بشكل كبير وصار يوجّه إلى كافة فئات الناس, وهذا يعني ضرورة عدم اقتصار موضوعاته على المعاني الدعوية, فالناس تريد أن تطرب وفق حدود الشرع, فهم يريدون ـ مثلاً ـ أن يسمعوا في الأعراس أناشيد غزلية, لا أناشيد دعوية وجهادية كما يفعل معظم منشدينا اليوم, ما رأيكم بذلك؟

ـ  الإسلام يشمل جميع مناحي الحياة، وأعطى كل ذي حق حقه. والنشيد أيضاً يجب أن يشمل جميع مناحي الحياة, وقد كانت أناشيدي والحمد لله متنوعة: الروحية والدعوية والجهادية والغزلية والخاصة بالأطفال, ومنها ما هو خاص بالمناسبات الدينية والحياتية.

* ما رأيكم بإصدار أشرطة خاصة بالأناشيد الغزلية؟

ـ  أنا أُنشد الموشحات وهي غزل, وقد أصدرت ثلاثة أشرطة غزلية فيها (65) موشحاً.

* هل شاركت في أناشيد الفيديو كليب؟

ـ  لم يعرض علي أحد, ولكن ما عندي مانع في ذلك.

* ألا تلاحظ معي وجود أشرطة لبعض المنشدين مستواها الفني ضعيف لا تستحق السماع ولا التسجيل؟

ـ  المشكلة أنه لا توجد رقابة فنية على الأناشيد, لذا أنا أدعو إلى إنشاء رابطة فنية تجمع المنشدين وتنظم وتنسق بينهم.

* لماذا لا توجد فرق نسائية خاصة بالنشيد تحيي الأعراس النسائية والمهرجانات المختلفة؟

ـ  هذا ضروري, والأعراس النسائية تحتاج إليها, وإلا فكيف سيكون العرس إذا لم تكن هناك منشدات؟ وبالمناسبة زوجتي منشدة ولديها فرقة وتنشد في الأعراس, ولكن المشكلة أن كل عضوة من أعضاء الفرقة إذا تزوجت تركت الفرقة وتركت الإنشاد واعتزلت نهائياً.

* بم تنصح المنشدين؟

ـ  أولاً : إخلاص النية عند الإنشاد، فالنشيد جهاد بالكلمة.

ثانياً : دراسة قواعد الإنشاد والتلحين والمقامات, ومعرفة عروض الشعر.

* ولكن أين سيتعلم المنشدون إذا كانت المعاهد الموسيقية لا تُعلم إلا بالآلات الموسيقية, بالإضافة إلى كونها مختلطة؟

ـ  أنا أصدرت خمسة أشرطة في تعليم فن الإنشاد والتلحين والمقامات والسلم الموسيقي, وهي موجودة في مكتبة دار الأرقم في عمان.

ـ انتهى ـ