ما تطرب له أسماع الكرام

نحن أمة ضربت بأسهم وافرة في الفنون والآداب, ولنا لغة موسيقية شاعرة, والغناء عندنا قوامه الشعر العربي الذي يراه الاديب الالماني الكبير جوته واحداً من اربعة اشياء منحها الله للعربي هي:

اولاً: العمامة التي هي خير من تيجان الاباطرة.

ثانياً: الخيمة التي هي رمز الحياة في الصحارى المترامية.

ثالثاً: الشعر الذي تطرب له اسماع الكرام.

رابعاً: السيف الذي يغني عن القلاع والحصون.

وقد عني أدباء العرب بما «تطرب له اسماع الكرام» فكان لنا الكتب المصنفة فيه, ولا سيما كتاب أبي الفرج الاصفهاني «الاغاني» الواقع في خمسة وعشرين مجلداً.

ومناسبة هذا الحديث انه اتفق لي, في غمرة من ثقيل الهموم التي لا بد ان يستشعرها الانسان العربي, من الماء الى الماء, أن شاهدت جانباً من لعبة سخيفة لا ريب انها صممت خصيصاً للمراهقين العرب فتياناً وفتيات, أو حتى كهولاً حمقى, واللعبة التي ينفقون عليها بسخاء ويسخرون لها من تقنيات الابهار ما يسخرون, تأتينا من خلال إحدى فضائيات اللهو والتخدير وغسل العقول والاذواق تحت عنوان (The Voice) بالانجليزية, مع علامة النصر (V) ربما لتؤكد انتصار منظومة القيم الغربية على حياتنا, أو لمسخ معنى (النصر) كما تفهمه الأمم التي تسعى للتحرر من التبعية أو لتؤكد حضورها الكريم وعزتها القومية, ليصبح أقرب شيء الى معنى الذهول عن الذات, أو الى معنى اللغو الفارغ الذي يستغرق جيلاً كاملاً يراد له أن ينصرف عن المقومات التي جعلت أمته خير أمة أخرجت للناس, ولا سيما «الذائقة العربية» التي تمتلك تاريخاً عريقاً من الفنون الرفيعة ولا سيما الشعر والغناء الراقي الذي تجلّى فيه هذا الشعر, بجماله, وعلو بيانه, ونبيل اغراضه من فروسية, وحب, وحكمة, الامر الذي نجد ترجمة له وبرهاناً عليه كتاب «الاغاني» الذي ذكرناه آنفاً والذي يعتبر دليلاً قائماً على صدق النظرية التي تقول إن الفنون خير معبّر عن روح الامة وآدابها بعكس ما نسمعه في هذه المسابقات الغنائية التي بتنا نسمع فيها رطانة مؤذية بلغات غير لغة الضاد, وبألوان من التقليد السخيف والمضاهأة المضحكة, حتى من بعض من اثر عنهم غناء القصيدة العربية, حتى ليمكن القول إن مثل هذه المسابقات, على انواعها, موجّهة الى غايات يحددها خبراء وباحثون متخصصون في سيكولوجيا الشعوب, انطلاقاً من حقيقة أن أقصر السبل الى التحكّم في أمة من الامم هي استعارة أنموذجها المعرفي والاخلاقي والادبي والفني عن غيرها, وجعلها في تقليد ذاهل للغالبين عليها..

إن ما نراه من جمهور المراهقين والمراهقات المتمايلين على أنغام أغنيات فرنسية وانجليزية واميركية, يتصارخ بها مغنون عرب معروفون مثل كاظم الساهر وصابر الرباعي, لهو أكبر برهان على شراسة الحملة الفضائية على أجيالنا العربية الجديدة, وعلى أن الامر كيد يراد لا أنغام تستعاد, فالحذر الحذر.

وسوم: العدد 650