الشهامة

مرت عشر سنوات على مأساة جمعة...

حيث هجم مجموعة لصوص على مزرعته فخربوها .. واقتادوا ماشيته.. وحرقوا زرعه وشردوا عائلته.. وسرقوا ذهب أمه وزوجته ..ولم يبق عنده زرع ولا ضرع .. شريد في البراري..

كان كبير اللصوص فيروز ذكيا جدا

حيث دخل في شراكة وتعاضد ووحدة حال مع سمعة ابن عم جمعة.. فشهد سمعة لفيروز بأنه هبة الأقدار.. وسيد الأبرار .. ومنقذ القرية  من الأشرار .. وقال فيه أحسن الأشعار.... وفيروز يكرمه بالدرهم والدينار.. ثم يتسلط على بيوت الأحرار ليكويهم بالنار ... ويفتك بهم بسيفه البتار... بتواطئ دنيء من شيخ الخفر والمختار.. وصار يتدخل في كل قضية شائكة ومسألة.. من كرسي المختار إلى مكان المزبلة...

***

ذات يوم هجمت ضبعة على بيت سمعة.. فأكلت غنماته وجرحت بعض أولاده.. فتعاطف معه الناس..

طار الخبر كالنار في الهشيم إلى جمعة الذي كان شريدا في القفار والصحارى ... فلم يجد منجدا ولا غيارى..

أعلن جمعة مؤازرته لسمعة ضد الضبعة .. وعن استعداده لجوب الصحارى بحثا عنها ليربطها ويسلمها لابن عمه سمعة ليشفي غليله منها...

 ونسي جمعة انحياش سمعة لفيروز .. ورقصه في حضرته في ظهر تموز .. حيث كان فيروز يأكل الموز ويلقي بقشره لسمعة الذي يبادر لالتقاطه ويبلعه كأنه يأكل المأمونية بالجوز واللوز..

فلما سئل جمعة من ربعه عن سر تبدل موقفه من ابن عمه الانتهازي؟ أجابهم مرددا قول الشاعر المقنع الكندي:

وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي

وَبَينَ بَني عَمّي لَمُختَلِفُ جِدّا

أَراهُم إِلى نَصري بِطاءً وَإِن هُم

دَعَوني إِلى نَصرٍ أَتيتُهُم شَدّا

فَإِن يَأكُلوا لَحمي وَفَرتُ لحومَهُم

وَإِن يَهدِموا مَجدي بنيتُ لَهُم مَجدا

وَإِن ضَيَّعوا غيبي حَفظتُ غيوبَهُم

وإن هم هووا غيّي هويت لهم رُشدا

وَإِن زَجَروا طَيراً بِنَحسٍ تَمرُّ بي

زَجَرتُ لَهُم طَيراً تَمُرُّ بِهِم سَعدا

وَإِن هَبطوا غوراً لِأَمرٍ يَسوءني

طَلَعتُ لَهُم ما يَسُرُّهُمُ نَجدا

فَإِن قَدحوا لي نارَ زندٍ يَشينُني

قَدَحتُ لَهُم في نار مكرُمةٍ زَندا

وَإِن بادَهوني بِالعَداوَةِ لَم أَكُن

أُبادِههُم إِلّا بِما يَنعَت الرُشدا

وَإِن قَطَعوا مِنّي الأَواصِر ضَلَّةً

وَصَلتُ لَهُم منّي المَحَبَّة وَالوُدّا

وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِم

وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا

***

حياك الله ياجمعة.. فعلا هذه هي نخوة العرب الأماجد التي ستبقى فيهم إلى يوم البعث.

وسوم: العدد 1083