زمن في الضباب
زمن في الضباب
كتبها وترجمها عن الكوردية
مامند محمد قادر
كانت الساعة قرابة الحادية عشرة صباحاً , قفز على زعيق اطفاله الاربعة من فراشه و توجه على الفور الى الفسحة التي تجمع فيها الابناء امام باب حديدي مقفل من الخلف تؤدي الى ممرًيمتد بمحاذاة احدى الغرف الخلفية للبيت يمثل حوشاَ خارجياَ . كان يلبس بجامة زرقاء تحوي خطوطاَ عمودية رفيعة صفراء مع قميص ابيض عادي . لاحظ للحظة من خلال الجزء العلوي من الباب الذي غطته قطعة زجاج سميكة برتقالية ان النار تتصاعد من فوق رأس زوجته و هي تصطدم كدجاجة مذبوحة بالجدران . انقبضت جميع عضلات جسمه ثم انهارت قواه , فكّر في ان يفر , هرع صوب الباب الخارجي للمنزل ولكن عارضة حشد من الناس , حاول ان يشق طريقه خلال الزحام المتدفق الا ان شرطياَ بزيّ عسكري ازرق مبقع قد وجّه ضربة بأخمص بندقيته الى رأسه , شعر بالدوخة و التقيوء , و تلاشى بين الأرجل , كان مع طلاب في الصف يؤدي امتحاناَ في درس الرياضيات , كانت الأسئلة كثيرة لا حصر لها , حاول ان يجيب , ان يتذكر قوانيناً تخص حجم الأسطوانة , كيفية احتساب ارتفاع مثلث بزاوية قائمة داخل دائرة , قانون الأرخميدس ... الا ان افكاره كانت مشتتة . خرج الطلاب واحداً تلو الآخر و بقي هو وحيداَ دون ان يجيب عن سؤال واحد , سلّم ورقة الامتحان الى مدرس المادة , تفقدت نظراته الصفوف المفتوحة الفارغة و هو يركض في الممرات الباردة , كان المطر ينهمر بغزارة خارج بناية المدرسة , اسرع في ازقة و شوارع فرعية لم يكن قد شاهدها من قبل نحو البيت , حان وقت اذان المغرب و هو لا زال ضالاً لطريقه و كاد ان يخيم الظلام , صادف باباً في نهاية زقاق ما , ظن انه قد يكون منزله على الرغم من ان لون الباب كان اصفراَ و خيل له ان اللون يجب ان يكون اسوداً , دخل المنزل خلال الباب الشبه المفتوح , كانت امة جالسة في غرفة النوم هادئة و في وجهها ابتسامة ملحوظة و هي تقطع شيئاً على طاولة التقطيع لتحضير العشاء , جاءت اصوات دقات على الباب , جلبت خطوات غير مسموعة اصواتاً مألوفة معها , و اذا بزوجته واقفة قبالة امه و هي تستند الى اطار باب الغرفة , سئلت امه عن كيفية تحضير كعكة العيد , لاحظ لوهلة ان ما كانت جالسة هي زوجها و تذكر سريعاً ان امه قد وافاها الاجل منذ اعوام , كان يؤلمه رأسه , ترك كتبه المدرسية جانباً و غط في النوم , كان يمشي عارياً في صالات مكتظة بمسافرين مستعجلين , لم يدر الى اين يريد المغادرة , تذكر انه يجب ان يقابل شخصاً لم يتذكر اسمه او عمله , لاحظ من بين الجموع ان هناك زملاء له , تحدث معهم همساً عن امور لم يكن يفقه ما يقولها , كان الصبح يشبه ظهيرة متأخرة , تأخر الباص المتوجه الى حي العامرية و قد مضت حوالي ( 20 ) دقيقة او ربما ساعات على المحاضرة الأولى , ركب عربة يجرها رجل تجاوز الاربعين من العمر يلبس دشداشة رصاصية و يطلق صفيراً في الشوارع دونما انقطاع , كان يحرس مدخل قاعة المحاضرات رجلان بزي عسكري تراثي كوري او ربما صيني يحملان رماح طويلة و هما يمزحان فيما بينهما , توجه بخطواته الرتيبة المنتظمة الى مقعده في القاعة , نظر اليه الطلبة بشغف دون ان يتفوهوا بحرف , واصل الأستاذ الذي كان يقف على خشبة في مقدمة القاعة تعلو الأرض بحوالي مترين شرح محاضرته , المادة النووية لفايروس مرض حمى القلاعية , الطفرات التي تحدث في عترات فايروس الأنفلونزا خلال اعادة ترتيب قطع المادة النووية , غمز له الأستاذ , هرع الى الخشبة , حدق في وجه زميلة له جالسة في المقعد ( 68 ) و شرع بالقاء قصيدة عاطفية له مطبوعة على قطعة صفراء من صحيفة , كانت الأحرف عربية غير ان قراءة القصيدة كانت باللغة الانكليزية احياناً , توجه الى زميلته , اجهش ببكاء مفاجيء , صفق الجميع , كانت هي بزي العروس , قبّلها من جبهتها , و ذكرت هي أسمه بصوت انثوي منخفض لعدة مرات بدلال , شعر ببرودة اصابع قدميه من شدة عاطفته الجياشة , فتح عينيه ببطء , رأى وجه زوجته فوق رأسه و هي تناديه , سألته : من أنا , تعرفني الآن ؟ أجابها بعد وقفة قصيرة : يؤلمني رأسي . قالت : انه مجرد فعل المخدر , والحمد لله قد جرت العملية ليدك بسلام .