زيارة خاطفة
د. خليل قطاطو
خرج ليبتاع بعض الحليب المجفف لطفلته الرضيعة ذات الاشهر الستة الناقصة اثني عشر يوما.صيدلية الشفاء تبعد حوالي ثلاثمائة متر من بيته،يستطيع رؤية بابها المشرع ،في شارع الوحدة، من نافذته في الطابق الرابع.الوقت ما قبل الظهر الا ان الجو الماطر جعله يبدو كما ان المغرب اوشك ان يحل.تناول كنزة زرقاء كانت قد حاكتها له امه منذ ثلاث سنوات،لم يعبأ ان يأخذ مظلة فهو يحب رذاذ المطر وهويداعب وجهه مع انه في مرات كثيرة رجع الى البيت مبلولا الى درجة ان زوجته(او امه ) اضطرت ان تعصر ملابسه قبل تنشيفها بجانب المدفأة.
في تشرين (الاول او الثاني سواء) هناك دائما لسعة باردة للهواء،يحسها بتركيز في انفه واذنيه،نسي اللفحة الرمادية التي اهداها له الاولاد (مي وكريم والرضيعة منى مجازا) في عيد ميلاده الثالث والثلاثين قبل شهرين .استعد لمعاتبة مي وكريم وزوجته عبلة عند عودته،ابتسم وافاق على صوت زامور السيارة اذ اكتشف انه كان يمشي اقرب الى منتصف الشارع من الرصيف غير الموجود.
لم يجد نوع الحليب الذي وصته عبلة عليه،اشترى نوعا اخرا على مضض، واشترى شوكولاتة للاولاد.في طريق العودة انهمر المطر بشدة،تراكض هو والناس اللذين تدفقوا من الساحة الرئيسية عبر الازقة الجانبية ليحتموا تحت تندات المحلات. كانت اصوات الشباب مبحوحة وبريق عيونهم لا يمكن تجاهله .فجأة توقف المطر وانهمر الرصاص،سقط شاب يافع على الارض والدم يتدفق من رقبته كالحنفية ،انبطح الى جانبه،وجده يلفظ انفاسه الخمسة الاخيرة.احس بالغثيان،ثم سرعان ما راى الدم ينصب من جبهته هو على راس الصبي.
شيعوه.انصرف المعزون في العاشرة مساءا.حضرت الزوجة عشاءا سريعا للاولاد الذين لم ياكلوا شيئا منذ الظهيرة .جلسوا جميعا دون ان يمدوا اياديهم الى الطعام .يبكون بصوت مسموع عن بعد.جاء،مسح دموعهم،مرر يديه على روؤسهم،اطعمهم واسقاهم،وضعهم على اسرتهم وانتظر حتى ناموا جميعا،حمل الرضيعة،كفت عن البكاء،التهمت قارورة الحليب كلها،رنت الى وجهه وغفت ،قبلها بين عينيها ووضعها بجانب امها على السرير. غير مخدة عبله المبتلة وقبلها
في الصباح،على مائدة الفطار ذات احد المقاعد الخالية ،قالت الام .......أنا حلمت.........قالت مي وكريم................وانا حلمت ...................ابتسمت الرضيعة منى في وجوه الثلاثة...............
وخيل لهم انهم سمعوها تقول ببراءة .................لا....لم يكن حلما.