أين الطعام؟
حسين راتب أبو نبعة
حدثني صديق عن حيثيات ما جرى معه بعد أن اضطر للمبيت لليلة واحدة في أحد المشافي بعد أن ألم به طارئ فقال : بعد أن تلقيت بعض العلاجات و طمأنني الطبيب على حالتي شعرت براحة قررت الخلود إلى النوم مبكراً ، و ما أن اقتربت عقارب الساعة من العاشرة ليلاً حتى سمعنا جلبة مزقت هدأة الليل و سكونه ، دخل أحدهم يترنح بين يدي شاب مفتول العضلات و امرأة في العقد السادس تبين أنها زوجته و فتاة شابة كانت تحمل بعض الأغراض. كان متعثر الخطوات و تبين انه ضرير في الثالثة و السبعين أحضروه من جناح آخر في المشفى العام.
- أين الطعام ؟ أحضروا لي شيئاً أتناوله أسد به رمقي! قال الشيخ الضرير بنبرة عالية
- اصبر علينا أيها الشيخ سيما و أن الوقت متأخر ، و لكن لك علينا أن نتصل بالكافيتريا .
أظهر الشيخ تبرماً بالتلكؤ في تنفيذ مطالبه و بدأ مرافقوه بتعريفه بالغرفة التي يقيم فيها ليلته ،و أرشدوه لدورة المياه و كيف يطلب المساعدة برن جرس يتدلى فوق رأسه ، و ظهر من ردود فعله انه بطئ في استيعاب الإرشادات – على عكس الكفيفين الذين رأيتهم في حياتي.
و قبل أن يهم مرافقوه بالمغادرة نبهتهم إلى أن الشيخ بحاجة لمساعدة مستمرة و لا بد من مرافق دائم له كظله ، إلا أنهم تجاهلوا نصيحتي و اكتفوا بالقول: وراءنا أشغال كثيرة ، و قد أوعزنا للممرضين بالاهتمام به !
أمضى الشيخ الضرير ردحاً من الليل يتسلى بالضغط على الجرس و النداء على الممرضين المناوبين بصوت جهوري لا يراعي فيه حاجة المرضى الآخرين إلى الراحة و السكينة . لم يكن بالإمكان النوم في غرفة بها مريض كهذا و لم يغمض لي جفن ، فاقترب مني أحد الممرضين الساخطين من تصرفاته و أرشدني إلى غرفة مجاورة بها سرير شاغر يمكنني النوم فيها حتى الصباح ثم أعود لغرفتي.ذهبت لفترة وجيزة غير أني لم أفلح في اقتناص لحظة نوم فقد أطار صاحبنا النوم من عيوننا.
زاره عدد من الأطباء و اطمأنوا على جرح في قدمه اليسرى ، و مع ذلك ،عندما حضرت زوجته صباح اليوم التالي في تمام العاشرة وقت الزيارة بادرها بالشكوى من الإهمال و نقص الخدمات و عدم تعاون الجميع معه ! كانت الزوجة تنظر إلي كأنها تكذبه فقد كانت أدرى الناس بطباعه و حاولت الاطمئنان على الخدمات بصوت خافت فطمأنتها .
حاولت جهدي بعد انتهاء الزيارة أن أهدئ من جام غضبه غير المبرر وأن أمام الممرضين مهمة صعبة لتقديم الخدمات الطبية لحوالي ثلاثين مريضاً في نفس الجناح و لكن دون جدوى فلم يهدأ حتى بعد وصول وجبته الإضافية و قد حسدت الممرضين على سعة صدرهم .في حوالي الحادية عشرة صباحاً حدث شئ ما أخمد صوت الشيخ ربما إلى حين !
دخل للغرفة (211) ممرض من قسم العمليات يلبس زياً أخضر اللون و يجر أمامه سريراً خاصاً و قال : جهز نفسك يا مولانا فاني مكلف من العمليات بنقلك إلى حيث الطبيب الجراح .... التزم الشيخ الصمت للمرة الأولى ثم بدأ بقراءة بعض الأدعية و انطلق !
· مدرس لغة بكلية التربية – جامعة الملك عبدالعزيز