فراغ الفقر

عبد القادر كعبان

[email protected]

كعادتي.. متعبا منهكا عدت الى البيت تتجاذبني أفكار شتى.. دفعت الباب و دخلت.. لم أجد أحدا هناك.. رميت تلك المحفظة في اهمال لامتناهي.. أسرعت الخطى الى أحضان شوارع مدينتنا.. و ما أن تلقفني الشارع.. اندفعت وراء إمرأة عجوز متسولا قطعة خبز.. وهبتني إياها بعدما لمحت وجهي بنظرات خفية، ثم سارت و تركتني.. كان كل شيء من حولي يبدو خانقا.. يثير في النفس كآبة سوداء.. جلست على حافة رصيف.. وجدت عيوني للحظات سابحة في مسرح الحياة المعتمة.. انتبهت فجأة.. صوت خافت ضعيف يتسول هو الآخر..

- لله يا محسنين.. رغيف خبز لطفلي الجائع..

هي إمرأة تقف أمامي.. تحتضن طفلا مبتسما بين ذراعيها.. أخذت تتمتم بكلمات غير مفهومة.. وجدت يدي تتسلل في جيوبي باحثة عن شيء تقدمه اليها.. لكنها لم تعثر سوى على فراغ الفقر.. تطلع وجهها في وجهي مكررا..

- لله يا محسنين.. أنا بحاجة الى ثمن رغيف خبز..

رمقتها بنظرات تكشف عن أسف و حيرة.. لحظتها سارت تقودها قدماها بخطوات دامعة..

واجهني صوت داخلي يهتف..

- ما أكثر هؤلاء في أيامنا..

صرخت مرددا:

- ما أشد ألم البؤس الذي هيأه لهم القدر، ليجدوا أنفسهم مجرد غرقى في مستنقعاته الآسنة..

أفقت على صوت الآذان معلنا وقت الصلاة.. نهضت أعدو مسرعا نحو مسجد قريب أحبس دموعي التي أوشكت أن تنبجس من مقلتي..