الأم والعين والرغيف الساخن
د. خليل قطاطو
العصابات المسلحة تقتل سبعة مواطنين واربعة جنود في دوما. هكذا يقول المذيع في القناة المحلية.ضحك من غباء المذيع وممن اعد له النشرة وممن اخرجها ايضا.بصق على الشاشة،مسح المذيع وجهه بالمنديل وتلعثم.
تناديه والدته من المطبخ:لماذا لم تذهب الى المدرسة اليوم؟ المدرسة تحولت الى معتقل ،اجاب.انا خارج.توسلت امه ان لا يمشي في اي مظاهرة:لا استطيع ان اراك جثة مقطعة الاوصال،كفكفت دمعتين سالتا دون اذنها،بعد دقيقتين :هلا احضت لي ربطة خبز ساخن من الفرن.حاضر.
رائحة الخبز الساخن الشهية تملأ انفه،بدأ يلتهم جانبا من الرغيف وفمه نصف مفتوح فهو ساخن جدا، ولكنه لذيذ ........جدا.
الناس مجتمعه حول جثة شاب مضرجا بدمه،دقق النظر،انه سامي ابن الفران.احملوني،تذكر امه والرغيف،بدأ يهتف،سوريا بدها حرية،احس ان القاشوش يستوطن حباله الصوتيه،الحنجرة التي جزت والقيت في العاصي فاذا بالعاصي يغني ليلا ونهارا،سرا وجهارا.
لمح قناصا على سطح البلدية.كل ما استطاع فعله في ثوان معدودة هو انه ازاح رأسه الى اليمين انشا واحدا .احس بسائل ساخن ينهمر من الزاوية الصدغية لعينه اليسرى.انه يرى الوان العلم بعينه اليمنى،ولكنه يراه اسودا باليسرى.قال لرفاقه:اوصلوا الخبز لامي،وطمنوها انني بخير.طلب من سائق الاسعاف ان يأخذه الى مستشفى خاص وليس مستشفى الشفاء
(الحكومي)،حاضر،طبعا،طبعا،...........مفهوم.
راقد على السرير،عصابة على عينه اليسرى.اخبرته احدى الممرضات ان الأطباء سيعاينونه بعد قليل،ستحتاج الى عملية بسيطة،النجاح مضمون ،وستستعيد النظر كاملا في عينك اليسرى.انتظر نصف ساعة .ربما أكثر،لا يدري.
فجأة غطى عينه اليمنى براحة يده اليمنى وصاح:اخرجوني من هنا،ما بدي عملية.تذكر امه ، وطعم الرغيف الساخن هجر فمه، أحس بمرارة في حلقه،تذكر قاشوش ثانية،لا يدري لماذا في هذه اللحظة بالذات.
كل ما راه قبل ان يخاف على عينه اليمنى هو طاقم من الأطباء،خمسه أو ستة!!!يبدون كأشقاء أو بالأصح توائم،حدق في أحدهم،كان طويلا،نحيفا،ذو أبتسامة شاحبة.رقبته طويله،ادرك ذلك حتى من تحت ياقة القميص وربطة العنق الأنيقة المعقودة بأحكام.كان وجه الطبيب شاحبا بلا ملامح كالسمكة التي انتزعت للتو من حوض أسماك الزينة.كان يتكلم بطلاقة متناهية،يلدغ في حرف أو اثنين.كل ما يتذكره قبل أن يصرخ أنه سمع اتطبيب يقول بثقة:العملية ضرورية حتى نتخلص من " الجراثيم"
تذكر أنه رأى هذا الوجه (الوجوه) من قبل،أين......أين......في كل مكان.
حاول تذكر طعم الرغيف الساخن ورائحته دون جدوى،ولكن ملامح أمه ودمعتيها لم تتفارقه لحظة واحدة.