المدرسة
سامي حسن الحمش
اليوم ذكرى مولدي السادس. وهذا يعني أن مسؤولياتي قد زادت فقد كبرت عاماً كاملاً، كما يعني بأني لن ألعب مع أصدقائي منذ اليوم فهم لا زالوا صغاراً وليس من المناسب أن أكون معهم إذ لا بد من أن أجد عملاً ما.
لبست قميصاً من ثياب أبي بصعوبة لأنه كان ضيقاً علي كما أن حذائه لم يناسب قدمي تماماً لشدة صغره لكن لا بأس، ثمة أمر مهم يتوجب علي فعله قبل الخروج للعمل وهو حلق لحيتي فقد أصبحت كثة فبادرت إلى الشفرة وحلقتها وشذبت شاربي ومضيت.
ذهبت في البدء إلى البقال وألقيت عليه التحية وسألته إن كان يريد موظفاً فاعتذر وأعطاني قطعة حلوى ووعدني بأن يتصل بي حال توفر وظيفة شاغرة لديه.
وفي مدينة الملاهي تلقيت ذات الجواب ولكنهم عرضوا علي ركوب الخيول الدوارة ريثما يتوفر لديهم عمل يناسبني.
وكان جواب بائع الحليب مشابهاً أيضاً لسابقيه وأعطاني كوباً كبيراً من الحليب كي يرى إن كان باستطاعتي شربه أم لا فشربته كله فوعدني أنه سيسمح لي بالعمل عنده حالما يحتاج موظفاً.
عدت إلى البيت أجر أذيال الخيبة فوجدت أبي وأمي ينتظران عودتي على باب المنزل لا بد أنهما سيحزنان عندما يعلمان بأني لم أجد عملاً.
وعندما شاهداني سألاني أين كنت فأخبرتهما الحقيقة بأنه لا يجوز لرجل مثلي أن يبقى في البيت بلا شغل وبأنني كنت أبحث عن وظيفة، فافتر ثغرهما عن ابتسامة ، وقال والدي : لا يهمك، لقد وجدت لك عملاً وعند الصباح سآخذك لتسلمه.
تلك الليلة بت على مثل الجمر شوقاً إلى الغد.
وفي الصباح ألبستني أمي ثياباً غريبة وقالت: هذه بزة العمل الجديد.
ثم اصطحبني والدي إلى مبنىً كبير وجميل وفيه الكثير من الرجال الذين هم من مثل سني وكانوا جميعاً يرتدون ثياباً متماثلة!
دخلنا إلى غرفة فيها الكثير من المقاعد و قد ازدانت جدرانها برسومٍ زاهية كما علقت حبال الزينة على السقف بشكلٍ يدعو للدهشة ، ثم قال لي أبي بأنني سأعمل هنا يومياً من الصباح الباكر وحتى الظهيرة.
بعدها دخل رجلٌ أكبر مني بقليل عرفت بعدها بأنه يسمى أستاذ وبأنه سيكون رئيسي في العمل ، وطلب مني والدي إطاعته فوعدته بذلك ، وعندما سألت والدي كم سيكون راتبي أخبرني بأنّه هو من سيدفع لي معاشاً صباح كل يوم وقبل مجيئي للعمل.قدمني والدي إليه وعرّفه على اسمي وسرّ كثيراً بالتعرف إلي وأخبرني بأنه بإمكاني سؤاله عما أريد ، فسألته: سيد أستاذ ماذا سيكون عملي بالضبط؟
فقال: لقد عينوك طالباً هنا وستجلس على المقعد الأمامي المجاور للنافذة وستكون مهامك الأساسية الاستماع والقراءة والكتابة مع الاحتفاظ بحقك بالسؤال عن أي شيء، كما ستحصل على عطلة أسبوعية وعطلة أخرى منتصف العام وواحدة إضافية في آخره.
فأردفت قائلاً: كم سأبقى في هذه الوظيفة؟
قال السيد أستاذ: طالما بقيت مجداً فيها فستكون على رأس عملك ، كما أنه لا داعي لأن تناديني سيد أستاذ فكونك ستعمل معي يمكنك أن تناديني أستاذ.
وطلب مني أن أذهب إلى مقعدي ، وبعدها عرفت أسماء زملائي في العمل وأعطونا كتباً ودفاتراً وأقلاماً لنستخدمها في شغلنا الجديد.
ذلك اليوم كان أسعد أيام حياتي فقد عرفت بأنني عينت بمنصب طالب في الصف الأول ووعدنا السيد أستاذ بأن من سيعمل بجد واجتهاد فسيحظى بتقدير الإدارة وينال شهادةً لإثبات ذلك بالإضافة لترقية بعد تسعة شهور إلى الصف الثاني.
وهكذا أمضيت أول أيامي في العمل الجديد بحبور وغبطة ، وبعيد الظهر جاء والدي ليوصلني للبيت مررنا على البقال في طريق عودتنا فسألني إن كنت لا أزال أبحث عن عمل فأخبرته بأنني لن أتمكن من العمل عنده وفرح كثيراً وأعطاني قطعة حلوى مرةً أخرى ، ثم صادفنا بائع الحليب فعرف بدوره أنني قد استلمت عملي الجديد وسرّه ذلك وطلب مني أن أثبت له مرّةً أخرى أن بإمكاني شرب كوب كامل من الحليب فشربت أمامه وأمام والدي كوباً كبيراً دون ما عناء.
تابعنا سيرنا وطلبت من أبي أن نمر على مدينة الملاهي كي أخبرهم أنني قد وجدت عملاً كي لا ينتظروني ، لكن والدي فضل تأجيل ذلك إلى يوم العطلة الأسبوعية كي لا أضيع وقتي فقد أعطانا السيد أستاذ عملاً إضافياً وينبغي إنجازه في البيت.
في ذاك المساء ذهبت لفراشي وأنا أحس بتعبٍ لذيذ ووضعت أقلامي وكتبي ودفاتري في الحقيبة الجديدة وخلدت للنوم وأنا أحتضنها حالماً بغدٍ جديد.