حق العودة

رفيدة فكري بلحمدية

رفيدة فكري بلحمدية

وصلت إلى بلادي ، بلادي التي يتحدث عنها جميع من حولي بإعجاب من تاريخها وعراقتها إلى جمالها ..

اقتنعت في نفسي بأنني سأحب العيش فيها ، أكيد فهي انتمائي .. لكن قلبي ضعيف ومشاعري هينة .. لم تتحمل بعد أحبابها وأهلها وأصدقائها ، فكانت تنغص علي فرحتي وتتغلب عليها .. فتضعف روحي ويبكي قلبي عند تذكرهم ، فأغير من رأيي  في الحياة الجديدة ..ويظهر ما في قلبي على الفور فأنا لا أستطيع أن أخفض صوت دقاته حتى .. ودموعي لا تنتظر سببا لتدفق شلالا قويا عند ؛ لا سبب .....

وما راكم التعب فوق الألم ، أنني لم أرتح للجامعة التي اخترتها ، فغيرتها ، ثم غيرتها ، حتى اخترت .. وسافرت من مدينة لمدينة !!

بدأت دراستي ومعها غيرت من تفكيري وشجعت عقلي لأبدأ بداية جديدة ، حياة بطريق مختلف وبلغة ولهجة متجددة .. في يوم التعارف واللقاء الجامعي .. كل يعرف بعضه ليس هناك من غريب ، راقبت الزملاء حولي .. ضحك وفرح وتعانق وتشابك بالأيدي .. ياه منظر أحببته ، دخلت شحناته إلى شراييني .. وبدأ الدم ينتعش ويتجدد في داخلي  ..

بدأ التعارف والجميع عرف عن نفسه حتى أنا .. تكلمت عن هجرتي وعن اللغة التي يتحدث الجميع بها أما أنا فلا أجيد النطق الصحيح لحروفها .. فما كان من أساتذتي إلى الدعم وعرض المساعدات والخدمات .. والذي لم يخطر على تفكيري ولا مرة في حياتي  .. ما رأيته من زملائي ، لم ينته الاجتماع إلى والكل ملتف حولي يعنقني ويرحب في بينهم ويدعمني بكلام جميل خدرني وهدّأ من شحناتي السلبية الزائدة .. وابتسامات دفأت برد أصابعي وخففت من رعشة نظراتي ، وفي ساعة أصبحت ممكن يضحك ويتعانق وتتشابك يديه مع أصدقاء لم أتخيلهم ولم أتعرف على مثلهم .. أصدقاء تربيت معهم من بعيد ، من بعد قارات وزمن ..

أمينة ، كانت تمسك بيدي بقوة لا تريد مني أن أضيع وسط الزحام ، تدفعني أمامها بكل مرح وتفاؤل وتجعل خطواتنا سهلة مندفعة بأمل للأمام ، لمستقبلنا ..

رباب ، أعطتني من رقة قلبها و حنانها حبا كبيرا واهتماما رقيقا عذبا .. أحببته بكل ما للكلمة من معنى .. وأضحكتني بمرح زائد أنستني فيه كل شيء  ..

أسماء ، مرشدتي وقائدتي في كل خطوة ، كنت اهتماما مبالغا فيه من اهتماماتها الكثيرة .. هي من تذكرت معها براءة طفولتنا ، من شاركتني حزني وبكت معي .. من علقت في الأمل من جديد .. من أحبها بكل خلية من خلايا جسمي .. جعلت من أيامي الصعبة ، نهرا عذبا يجري بهدوء وثبات ..

لكني الآن فقدتهن ، لم أسمع لقلبي حينها .. تبعت عقلي ، لكن القلب هو المسيطر على جسمي فلماذا لم أهتم به ؟؟ تركته يعود لدوامة الحزن والوحدة من جديد .. خطأ كبير ما فعلته ، فمن هو دافعي الآن ، من مرحي ؟! من دفئي ؟! من صديقاتي ؟!

صديقاتي .. أخواتي .. لا أريد أن أموت وحيدة هنا ، أحس بالبرد أكاد أتجمد ، فقدتكن وفقدت الدفء .. ذهبتن وذهبت الابتسامات .. لم تبقى لي إلا الذكريات .. كرهت الذكريات ،، ذكرياتي كثيرة ، لكن ما الفائدة !! أريد عودة للزمن إلى الوراء .. قليلا فقط ، سنة واحدة ، ياه مرت سنة منذ أن فارقتكم .. صبري نفذ .. والله أن صبري تعب من الصبر !!

أريد أن أعود .. أريد أن أعود ..