رائحة البخّور

حسين راتب أبو نبعة

رائحة البخّور

حسين راتب أبو نبعة

[email protected]

جامعة الملك عبد العزيز

كلية المعلمين بمحافظة جدة

عبرت السيق و كأنني ألج عالم الأساطير..و أشتم رائحة البخور الذي  تعبق به حبات الرمال و الحصباء التي تشكل سجادة ذهبية جميلة . في كل خطوة أمشيها أجد صدى لحكاية مقنّعة بالغموض و أنها تهمس لي بأسماء الذين مروا بعرباتهم أو قوافلهم أو حتى مشياً على الأقدام .المنطقة مسكونة بنواميس الصحراء فأقف مذهولاً...أتقدم بعد مسيرة نصف ساعة على الأقدام فتبهرني الخزنة المنحوتة في الصخر و التي مازالت حبلى بالأسرار و الألغاز.جموع السائحين تتدفق من شتى البقاع مذهولة بالإبداع النبطي الذي أحال الحجارة الصماء إلى لوحات إبداعية ناطقة و مؤثرة . ما يبهرك في البتراء انك تكتشف في كل زيارة نكهة جديدة و ألواناً غفلت عنها  فتعود إليها من جديد و هذا ما لم يفهمه صديقي عندما تساءل ذات يوم عن سر زياراتي المتكررة للمدينة الوردية. الحقيقة أنه كلما  امتدت الخطى وقفت على بعض روائعها سواء كان ذلك متمثلاً في كهوف  تنصهر فيها الألوان و تمتزج فيها الطبقات  والخطوط  أو صخور ناتئة كشاهد على من مرّ من هنا .تقترب من قصر البنت فتتداعى أسطورة الفتاة التي وعدت بالزواج من الفتى الذي يتمكن من إحضار الماء للمكان  ليرتوي القوم في زمن القحط و العطش .و عندما تتجول في المحكمة و الأبنية الأخرى ،يرهقك الصعود و النزول فتضطر للاسترخاء في أحد الكهوف فتشعر بطمأنينة نابعة من عبق التاريخ و يداعب الكرى جفونك كأنك تستجير بالصحراء  هرباً من صخب المدينة التي جرف تيّارها كل شئ . ترى بعض  الكتابات و التمائم المحفورة و يرتد ناظريك من بعيد عن بعض الجمال و الركبان ...تتهيأ  للسلام و التحية ، لعله موكب الحارث الرابع !ربما عبيدة الأول. و عندما يتخذ الموكب مساراً بعيداً باتجاه المذبح عدت للاسترخاء من جديد في الكهف و لم يعكّر سكينتي سوى صوت صديق يذكّرني بموعد انطلاق الحافلة للعودة للعاصمة.