الحرز

يوسف هداي الشمري

[email protected]

وقف أمام المرآة ، وشرع في تمسيد شعره وتسوية وضع قميصه تحت البنطلون ،   نكث بعضا من الغبار العالق على فخذيه ، هز كتفيه وفرد صدره ثم أخذت قدماه تتحركان بثقة خارج الدار وهو يقول بهمهمة :

_  بسم الله الرحمن الرحيم ، الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم . .

وفي طريقها المعتاد نحو الجامعة ، كانت تحمل شنطتها على كتفها، وبعضا من السجلات في يدها، وهي تمشي بخطى وئيدة ، فيما تطايرت من خلفها خصلات شعرها الكستنائي ، لم تكن تلحظ شيئا حولها سوى استرجاع ما حفظتها إياه صديقتها المسلمة يوم أمس ، وأثناء انهماكها في إكمال الآية التي جعلتها طلسما يقيها شر الموبقات قالت بهمس :

 _  له ما في السماوات وما في الأرض . .

 أوف تراني نسيتها يا رب ؟ . اه تذكرتها الآن .

_  له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه . .

أثناء جلوسه في الحافلة ، جلست بقربه امرأة متلفعة بعباءتها ، خفق قلبه بشده ، تذكر وصية أمه بما يجب عليه قراءته قبيل ذهابه للمدرسة ، كيف نسيت ذلك ؟ . أخذ يرددها في سره ولثوان وصل صوته للسائق وكأنه يذكر كل الراكبين بها .

_ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء . .

في مكتبه الوثير وعلى كرسيه الجلدي الدوار ، ثمة أوراق أمامه ، طفق يقلبها ، تشتت ذهنه في أمور لا تكاد  تفارقه بداية كل صباح، ماذا لو جاءته قذيفة  من هذه النافذة المشرعة الآن ؟ قام وأغلقها، رجع لكرسيه ، ماذا لو دهموا عليه مكتبه ؟ وواحد في منصبه يعد لهم صيد ثمين . هل أقوم وأقفل الباب  ؟ . ومن ينقذني إذا ما اقتحمتنا شاحنة مفخخة؟ لعلها تطيح بمبنى الوزارة عن بكرة أبيه ؟ نظر لصفحة الحائط ، تتوسطه آية قرآنية كريمة مؤطرة بمستطيل نحاسي مزخرف ، حروفها المذهبة سهلة القراءة . ما الضير من قراءتها الآن ؟ شرع يقرأها بسره، ومع طرق الباب على مكتبه ارتفع صوته في وجل وهو يقول  :

_ وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم .

صدق الله العظيم .

في ذلك اليوم . . أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة عن نجاح القوات الأمنية في السيطرة على الوضع الأمني في البلاد وعدم وجود أية حالة خرق أو ضحايا أبرياء .