قصة دهاليز
سماح سليم شمالي
قد تضيق بنا الحياة أبواعاً .. ويشتد علينا العناء .. ولا ترحمنا الهموم .. وقد يقسو علينا القدر !
فهذا آدم بسليقته عندما يضيق ذرعاً يخرج من بيته إلى الحديقة ومن عمله إلى المتنزه ومن دراسته إلى الملاهي ! , بمعنى أجزل يذهب ليتأمل بظاهر الحياة بما فيه من بشر وورق وعبق وغير ذلك حتى يلهي نفسه عن تلك الهموم التي تجتاحه .. ولكن طبعي البريء يختلف تماماً عن كل آدم فعندما تضيق بي الحياة ويصبو عليَّ التعب أسارع بالذهاب إلى الدهاليز !
هو بالعادة ممرٌ طويل له نهاية ولا بداية له إنه حقاً مخالفٌ لتلك الحياة ذات البداية والنهاية فالدهاليز ذات نظام معاكس فالبداية نهايتها والنهاية بدايتها !
منذ ما كنت طفلة أرى كل الأطفال يلهون ويلعبون في شتى الأنحاء عدا الدِهليز فهو مكان مهمل ربما لأنه قذر كما يعتقدون أو ليس به أي معانٍ للجمال ..!
لأنهم يقولون "تجدد وإلا تبدد" قررت ترك كل مظاهر الحياة وتجديد حياتي بالدهاليز !
كما أسلفت ممرٌ طويل ليس له باب فلا بداية له رغم ضيقه لكنه واسعٌ في النفس يملئ الوجدان راحة وسرورْ ..!
لأنني أحب أن أرى باطن الحياة وأحب التعمق بالأشياء فربما يكون ظاهرها غليظ وفي أعماقها كل معنى للجمال والكمال !
في ليلة مظلمة حالكة السواد قبل أن يطل سُرى الفجر وكنتُ قد بحثت عن الراحة كثيراً فلم أجدها في ظاهر الحياة قررت الذهاب إلى الدِهليز!
وصوت الخُطى رغم خفته يكاد يكون مزعجاً حاولت تخفيف حركتي قليلاً فالناس نيام وما كان طبعي الإزعاج !
خطوت خطوات قليلة في ذلك الدِهليز لمحتُ العديد من الأزقة ربما تعاركا قلبي وعقلي واختلفا أيهما أذهب ولكن بعد هنيهاتٍ من التعمق الطويل قد تلاحما وقررا الذهاب إلى الزقاق الذي يقابلني مباشرة فالاستقامة في الحياة شيءٌ جميل !
ودخلت في ذلك الزقاق من الدهليز .. الله ما أجمل نسمات الفجر الرقراقة .. ما أجمل ورقات الخريف المتساقطة .. أكل هذا الجمال بالدهاليز !؟
اقتربتُ قليلاً من تلك الزهرات الرقيقة ذات العطر البديع كأني ألمحها تتسامر مع تلك الرقيقات !
التفت يميناً شدني صوتٌ بريٌ يا إلهي ما جاء بهذه القطة إلى هنا إنها لم تكف عن النواء أما أنا الثانية لم أكف عن التأمل في عيناها الزرقاوات! أحسست بأنها بحاجة إلى بعض من المساعدة لكن كيف سأعرف ما تريد! سألتها علها تفهم أتريدين مساعدتي في شيء؟ فلا تكف عن النواء اممم , ماذا أفعل عيناكِ تشعرني بأنك مثلي قد يئست من ظاهر الحياة ولا تجيب إلا بالنواء ولا أفهم أحسست ببرودة شديدة فخطر في ذهني أن هذه القطة تحتاج إلى بعض الدفء خلعت معطفي ووضعته عليها فسمعتها تردد نوائها بصوت حنون فلربما تقول شكراً يا إلهي ما أجمل الإحسان وما أبهى رد الإحسان بإحسان!
ما أجمل الدهاليز! رفعت يدي إلى السماء لأسأل الله أن يرفع البلوى ويزيد في الإحسان لكني لم أدعُ لأنّ هناك منظرٌ رقراق عذب سحرني ولربما "غادر بذهني" إنني رأيت أسرابٍ من الطيور المهاجرة بلا وعي أشرت بيدي إليها السلام وكنت أود أن أذكرها بضرورة الرجوع لأرضها لكن تذكرت أنها مهما تغربت في البراري وسافرت سوف تبقى بلادها في الأحاسيس حاضرة!
أردت مغادرة المكان لأني كلما زدت الخطى زاد الجمال ونفسي واسعة فلا تضيق لذرات الجمال أسرعت الخطى وإنني على وشك الوصول إلى النهاية لكن اصطدمت بتلك الطفلة التي اتشح وجهها بالبراءة إنها مثلي تماما جاءت لتعرف معنى الجمال لقد سحرني بريق بسمتها الشفاف حقاً ربي قد خلق الأطفال كي تزداد الأرض جمالاً
قالت لي نفسي كفي عن التأمل يا هذه فالجمال لا ينتهي ورقة أحاسيسي واتساع قلبي ما عاد يكبر!
قد نرى ظاهر الأشياء سيء ولكن عندما نكتشفه ونتعمقه نتذوق ونرى معاني الجمال أوضح إذاً تجدد وإلا تبدد فهذه دعوة للتجديد لا للتبديد فلنكسر الروتين ولنغير حياتنا سوياً نحو الأفضل ولعلّ إيليا أبو ماضي أراد أن يترك بصمة على صدق إحساسي فقال إنّ التأمل في الحياة يزيد أوجاع الحياة إذن فلنتأمل بالدهاليز !