التمساح والبحيرة

حسين راتب أبو نبعة

[email protected]

جامعة الملك عبد العزيز

كلية المعلمين بمحافظة جدة

 ذات صيف و بينما كان العشرات في رحلة استجمام على ضفاف البحيرة بدأت فصول حكاية يلفها الغموض ، فقد اختفى بعض المصطافين دون العثور على آثارهم . كانت البحيرة آمنة و متنفساً للجميع في عطلة نهاية الأسبوع أو الأعياد و المناسبات الاجتماعية و الاحتفالات الشعبية. لم يدر بخلد احدهم أن تتحول البحيرة إلى كابوس يقض مضاجعهم.و للحفاظ على حياة المصطافين على جوانب البحيرة وضعت علامات تحذيرية بمختلف اللغات تدعوهم  لعدم الاقتراب من حواف البحيرة...ظهرت علامات تحذيرية بالفينيقية و الاشورية و العربية و اللغات  الأوروبية و ثبتت اللوحات على جذوع الأشجار المجاورة حتى يراها العابرون .

  ظلت هوية الفاعل و المسئول عن الاختفاء غامضة ، و بعد عمليات المراقبة و التمحيص أميط اللثام و انكشف المستور ، فقد ظهر قبيل الغروب في أحد أيام شهر أيار كائن يشبه التنين  و قيل انه يشبه عجل البحر  ،انقض فجأة على احد الأطفال الذين اقتربوا كثيراً من الشاطئ و التهم احد أطرافه ثم اختفى في الأعماق. هرع المصطافون ببقايا الطفل وسط عويل و ذهول إلى احد المشافي القريبة.

   احتار القوم وبعد التداول في الهجوم أشار أحد المختصين إلى أن من قام بالهجوم هو احد التماسيح الخطيرة و لا بد من التصدي لها من خلال خطة محكمة للمواجهة سواء على الشاطئ أو في عرض البحيرة.

   لم يكن ثمة إجماع على وسيلة محددة لمواجهة شراسة التمساح.اقترح أحدهم تقاسم البحيرة مع هذه التماسيح و حددوا خطاً وهمياً بحيث يتم الاتفاق على عدم تجاوزه ، و امتدت حبال خضراء وزرقاء لتحديد المواقع. مرت أيام هادئة تنفس الناس فيها الصعداء.في الأسابيع التالية أشار آخر إلى أن البحيرة أصبحت شحيحة بأسماكها وان التماسيح أصبحت أكثر نهماً في ظل انحسار الموارد.....لم يكن أمام القوم إلا أن بادروا ببناء أحواض اصطناعية لتربية الأسماك لدرء الخطر القادم! اجتهدوا في تربية الأسماك المفضلة لدى التماسيح و ما أن ازدادت حجماً حتى بدأوا بإلقائها في البحيرة . تعايشت التماسيح مع الأوضاع الجديدة و فتحت صفحة من العلاقات الودية. تدحرجت السنون ، و عض  القوم على جراحهم .غير ان التماسيح و في ظل الظروف الجديدة لم تزدد الا شرهاً و ازدادت حركاتها في البحيرة ، وأصبحت كالكلاب المسعورة، إلا أن شيئاً ما أثار فيهم الرعب من جديد، إذ بدأت تظهر عليهم بوادر أمراض جلدية لم يألفوها أبداً ، فقد بدأت تظهر قشور تشبه  إلى حد ما مرض الصدفية و انتشرت في أجسادهم كالنار في الهشيم ،  جربوا كافة الأدوية الشعبية و راجعوا أرقى المشافي و لكن بلا جدوى....عم الارتباك و الحيرة. في الأشهر التالية قال الرواة بأنه ظهرت عليهم زعانف و خياشيم و أصبحوا اقرب إلى الأسماك أشكالاً..ثم بدأت جموعهم تزحف نحو البحيرة إلى حيث الموت كي تكون وجبة شهية للتماسيح!