رغيف خبز
عبد القادر كعبان
عدت كعادتي من المدرسة بعدما أنهكني التعب و الجوع، و جمد البرد و الصقيع أطراف جسدي الهزيل. دفعت الباب بيدي لأدخل. صمت رهيب يعم المكان.
بحثت حولي عما يمكن ان يقضي على الرتابة التي نخرت حياتنا كما تنخر الدودة التفاحة.. زائر يحمل هدية أو رائحة منبعثة لوجبة شهية.. لا شيء يبعث على الامل في نفسي.
أمي تقبع في زاوية من زوايا الغرفة، بيدها معطف ثقيل له بطانة مهترئة اشترته لابي من سوق البالة الاسبوعي تخيطه بالابرة. اخوتي الصغار يلعبون في باحة المنزل.
صورة شبه ميتة ارتسمت أمامي.. كل شيء تنقصه الحركة، الالوان بل ما ينقصه هو نبض الحياة نفسه.
رميت محفظتي القديمة في ركن من الاركان. هممت مسرعا لأغسل وجهي بماء ساخن.. وقفت أمام المرآة متأملا ملامحه.. عيناي غائرتان ذابلتان، وجهي شاحب مصفر لونه و شعري مغبر أشعث. عندها ادركت أنني جزء لا يتجزأ من تلك الصورة. سألت نفسي:
- ماذا لدينا اليوم على مائدة الغذاء يا ترى؟
في هذه اللحظة سمعت صوت أمي يناديني:
-عندك رغيف خبز و جبنة بالمطبخ.
جمدت في مكاني و استغربت و كأن أمي تقرأ أفكاري. فوجئت بصوت ينبعث من داخلي يعلو صراخه:
-خبز! خبز! لا شيء الا رغيف خبز! حرام، و الله حرام..
انتابني ضيق شديد. احسست بعرق بارد يتصبب مني، بلل جسمي و ثيابي. و قبل أن أغادر الغرفة سمعت صوتا آخر يطمئن فؤادي:
-احمد الله على هذه النعمة، فقد يأتي عليك يوم تركض وراء اللقمة فلا تجدها، و تنظر الى القمر ليلا فتحسبه رغيفا أحمر، و لن تصل اليه.
أفقت على صوت أذان صلاة الظهر، فاستغفرت ثم اسرعت الى والدة الحنون و قبلت جبينها، فسالت من عيني دمعتان ساخنتان، ثم انطلقت أعدو مسرعا للصلاة.