لعبة الكلل
أحمد بن قريش
الربيع.
منذ شهر و السهول و الغابات تتغطى بحشائش زرقاء و لازالت الدروب المختصرة فيها
برك صغيرة يستطيع التلاميذ أن يشربوا منها عند العودة من مدرسة القرية.
يوم الأحد يتجه الأطفال نحو الغابة حيث ينصبون الفخاخ و يقطفون "نوار زواوى" و يملئون دلو من الحلزونات لبيعها – الأزهار و الدويبات - الى المستعمرين. بالنقود يشترى الأطفال الكلل و أحيانا كرة...
- أين؟
- طرف الغابة الآخر...
نظر الأطفال إلى بعضهم بصمت.
- وحدهما؟ استفسر لحسن.
- وحدهما، أجاب "بتى بوسي".
- لننتظر طوما، تمتم العربى.
- أخوه؟ لكنه رومي، صاح لحسن...
- على كل حال يتكلم العربية، همس العربي.
- وحدهما.
- كانا كيف، سأل مسعود...
- ملتصقان... دون ملابس.. سوف ترون بأعينكم...
- أخ طوما ، بندقيته لا تفارقه، قال العربي...
- ليست معه، قال بتى بوسى. رأيتهما عن قرب... سترته علي ذراعه فقط...
- و إذا رأينا مع عزيز...
- إلا هذا، قالها بتى بوسى...
- لازم... لازم... تباكي العربي و هو يدق الارض بطرفي قدميه...
- لا... قاطعه مسعود... كان أطولهم برأس و إن كان أصغرهم سنا. بعد طرد بتى بوسي من المدرسة،العام الماضي، أصبح مسعود قائد الجماعة و لكى يمنح لدوره بعض الصدق لقد سوط حد الموت هذا الأخير بسلك معدني بحجة ما - كلل؟ - فى بداية الشتاء. رمضان و حمدى التوأمان ظلا ساكتين. فى الواقع هما فى غنا عن هذه النزهة.
فى شتاء قبل الاخير ، عم مزوز، والد عزيز ،المسير العربي الوحيد في الضيعة ، سوطهما و تمت مصادرة الفخاخ ناحية "الدخيلة"... لأنهم يشوهون الطبيعة بثقبها... و فى المساء سمع الوالد بالحادثة فضرب الطفلين ثم أخذهما من جلد عنقهما و ذهب ليريهما إلى عم مزوز فى بيته الغنى. كان أخ طوما هناك و كانت أخت عزيز تعزف قطعة موسيقية...
- هل تأتيان معنا؟ ثبت بتى بوسي نظره فى رمضان و حمدي.
- لن يأتيا، قالها العربي.
- و لماذا لن يأتيا، سأل مسعود؟
نظر رمضان خفية في أخيه ثم قال: إن لم يكنا وسط الغابة لن أجي...
- هما في وسطها، تلفظ بوضوح بتي بوسي...
وجدناهما فوق بعضهما، يحكي اليوم مسعود ، عامل بشركة الحديد و الصلب، متزوج و لديه ثلاث أطفال؛ بين الأدغال كنا نراهما يتعانقان و يتقابلان؛ لنغادر، كان يلهث المرحوم العربي؛ لنبق، لنبق،كان يهمس حمدي؛ و كنا نرى يد المستعمر في ذهاب و إياب على خاصرة شقيقة عزيز و نستمع إليها تقهقه؛أتذكر، كنا يوم عطلة؛ لنغادر، كان يقول العربي، عم مزوز يكون غير بعيد منا بالتأكيد، محاولا تخويفنا؛ بيننا و بين العشيقين كانت ثيابهما مبعثرة؛ له حزام ذو قرط ، كان العربي يهذي؛ فيرفع بتي بوسي قبعته من على عينيه ويشد علي رقبة العربي ليسكته؛بقينا أكثر من نصف ساعة؛ ثم غادرنا المكان...
- لنلعب بالكلل، عرض بتي بوسي. كان يأتي غالبا – بمثيل هذه العشية- ينتظر
الأصدقاء خارج المدرسة و لما ينسي البواب دق الجرس كان يذكره بتلاوة آيات
قرآنية أو يرمي بحصاة نحو النوافذ - لحسن الحظ - المسيجة .
- لنلعب دورا...وافق مسعود.
كان العربي يحمل محفظة عزيز و يمشي متقدما الجماعة بعدة خطوات...
- يجب أن يسلفنا الكلل قبل كل شيء، قالها لحسن.
- ومن ذا الذي لا يريد سلف كلله، تسأل مسعود.
- يوجد من لا يريد سلف كللا لإخوانهم ومع ذلك يسلفون أشياء ثمينة آخرى لأناس آخرين، قالها بتي بوسي...
- أه... هكذا... قالها لحسن... ما عدا الكلل، ماذا يستلف؟
- لا أدري، رد بتي بوسي، ربما أخت...
- الحمد لله... ليست لدي أخت... قال لحسن.
- اسرع... كان العربي يصرخ في القدام... سيسوطك أبوك على هذا التأخر...
لكن عزيز يستمر في سيره البطيئ وسط الجماعة مطأطئ الرأس.
-هنا بالذات، قال لحسن ... فرمى بمحفظته في البعيد و رسم في الأرض مثلثا بعصا من خشب...
- الكلل، أمر بتي توسي و مد يده نحو عزيز...
- هيا... امشي ... كان العربي يصرخ متقدما الجماعة بعدة خطوات
- روح شوف أختك في الغابة، رد عليه لحسن...
- لم تذهب ابدا شقيقتي إلي الغابة...
- سوف تكون في وسطها في يوم ما...
انفكت الشمس من بين بعض الغيوم و بدأت ترسل أشعة وبالتوازي مع الأرض؛ فكر مسعود في التوأمان و فهم إنهما لتفادي مشهد كهذا عادا مبكرا في الصبيحة إلي الضيعة. .. وبدأ عزيز يبكي...
-لماذا يبكي، تسأل لحسن ...
- يتأسف عن غياب أخته، قالها أحدهم...
- لا عليك، قالها مسعود، أختك في الغابة...و سوف تعود...
(في النهاية، لا أعرف كيف بدأنا في ضربه؛كان ب. ب يلكم بقبضة يده اليسري أنف عزيز و يشتمه في آن واحد . في الواقع ، شقيقة عزيز، طلب يدها للزواج أخ ب.ب. الكبير و لكنهم لم يردوا عليه. و عندما غطته الدماء - كان العربي قد فر كأرنب - نصحناه أن يتهم أحد التوأمان ليكون في سلام طيلة الأيام المقبلة.)
في المساء، لما عاد الشيخ الطيب برمضان من عند عم مزوز، أين ذهب ليري هذا الأخير ظهر أبنه المزرق بالكدمات، إلي بيته ، كان حمدي يراجع دروسه.
أحمد بن قريش
ولد سنة 1952
متخرج من معهد البترول الجزائري يعمل حاليا بالصحراء
ساهم بكتاباته بلغتين في الجرائد و المواقع التالية: مركز النور، أدباء الشام، المثقف، ديوان العرب، عراق الكلمة، البديل العراقي، الشعب، الوحدة، بيت الشعر اليمني، عناوين ...
Revue des ressources, les écrits du Canada, l'émigration, l'horizon, action-litterature, passage d'encre…
نشر السراب بدار الغرب بالفرنسية و دخل في جدال، في الجزائر و فرنسا، حول كتابه المعنون مرساة غاطسة مع دور نشر حتى قالت إحدى المجلات الفرنسية إن على دور النشر أن تتجرأ بقبول هذا النوع من الكتابات بعد خمسين سنة من انتهاء الحرب...