ثعالب بهيئة أسد
موفق بسيوني
في أحد الكهوف المظلمة كانت هناك لبؤة عجوز قد رأت الكثير من الحياة بحلوها ومرها بسعادتها وتعاستها. كانت تلك اللبؤة تؤنس نفسها مع ابنها الشبل الوحيد (ضرغام ) .
كان ضرغام شبلاً شقياً كثير الحركة يملئ فراغ أمه بحركاته الطفولية المضحكة .
كانت الأم تنظر إلى ابنها بنظرة الضوء القادم من بعيد . كيف ولا والأم دائماً تقص القصص على (ضرغام ) التي تبث به روح التحرر ورفض الذل والخضوع.
تمر الأيام فيشتد عود (ضرغام) . وفي إحدى الليالي لم يعد ضرغام إلى مأواه . فكانت الأم العجوز تعيش في خوف وقلق شديدان كيف ولا وهي لا ترى إبنها الوحيد الذي سهرت عليه الليالي وأعطته الغالي والنفيس .
الأم العجوز تجري بكل ما عندها من قوة وتنادي بأعلى الصوت ضرغاااام ضرغاااام . فلا أحد يجيب . فتقف وهي في حيرة من أمرها !!
الأم : أين ذهب ضرغام ؟ لم أترك مكان إلا وبحثت فيه!! لم أترك إلا تلك التله العالية . سأذهب إليها لعلي أجده هناك .
كان ضرغام حزيناً جالساً على التله ينظر إلى الغابة من بعيد وعيناه تذرفان بالدموع .
فتأتي الأم العجوز وقد ظهر عليها مظاهر التعب. بني ضرغام لم اترك مكان إلا وبحثت فيه . لماذا تفعل هكذا بأمك العجوز يا ضرغام ؟!! .
ثم مالي أراك مكبوتاً والحسرة تأكل قلبك ؟!! .
عيون ضرغام تذرفان بالدموع من جديد .
الأم: بني إنك تبكي !!
ضرغام : أماه أريد أن أسألك أرجوا أن تجيبيني بصراحة يا أمي .
الأم: اسأل كما شأت يا ضرغام .
ضرغام : أين أبي يا أمي ؟ ثم لماذا نحن نعيش في كهف مظلم قد امتلئ بخيوط العنكبوت ؟ لماذا لا نعيش بتلك الغابة . أرجوكِ أجيبيني يا أمي ؟.
الأم ( وقد رسمت على وجهها ابتسامه عريضة ): اليوم أنا أسعد مخلوقة على وجه الأرض يا ضرغام.
ضرغام ( بإستغراب ) : ماذا تقولين يا أمي سعيدة وأن على هذه الحال!!
الأم : لقد جنيت ثمرت جهدي اليوم يا ضرغام . أنت اليوم أصبحت تعي الذي يحدث من حولك فصرت تدرك الواقع الأليم الذي نعيشه .
إسمعني جيداً يا ضرغام. فكما ترى أنا الآن عجوز فربما القدر لا يسمح لي مرة أخرى أن أجيبك عن هذا السؤال.
ضرغام : تكلمي يا أمي إني أنصت إليك جيداً .
الأم : تلك الغابة التي تنظر إليها من بعيد كان والدك ونحن برفقته نعيش فيها . كانت الغابة تنعم بالخير. ( الأشجار يكسوها اللون الأخضر الجميل تعزف الحفيف عزفاً لتداعب الطيور من فوقها فترد الطيور عليها بأصوات موسيقية رائعة. القردة تقفز من شجرة إلى أخرى وهي مليئة بالمرح . البهائم تجري إلى الماء برفقة أطفالها لترتوي . الضفادع تنقنق. الأسماك تسبح ). كانت الحياة جميلة حقاً جميلة..........
كانت الغابة يا بني بخيراتها وعذوبة ماءها وفيء ظلالها مطمع للطامعين فكانوا يلهثون من أجل السيطرة عليها. ولكن والدك يا ضرغام كان شجاعاً مقداماً كان ملكاً على الغابة يزأر بوجه الطامعين. فكان دائماً يفوِّت الفرصة عليهم . لقد كان يجعلهم عبرة لمن خلفهم . كما أن والدك يا ضرغام كان رحيماً في الداخل يتفقد الرعية كل يوم. فيطمئن على أخبارهم ويتعرف على همومهم .
ضرغام : هذا جميل يا أمي . ماذا جرى بعد ذلك ؟؟
الأم: الطامعين من جديد يا بني. بعد أن يأسوا من محاولاتهم العديدة والمتكررة . كانت خطتهم الأخيرة التعاون مع الأذناب في الداخل. مقابل أن يتولى الأذناب أمور الغابة .
الأم العجوز تذرف الدموع وتقول: لن أنساه أبداً ذلك اليوم العصيب!!
ضرغام : أمي إنك تتألمي كثيراً. أرجوك لا تكملي ..
الأم : لا يا بني لقد حان الوقت لمعرفة الحقيقة .
لقد قامت الثعالب بحالة تمرد داخلي .. فقاموا بإشعال النار في الغابة (الأشجار تحترق. الطيور تهرب. القردة تصرخ. البهائم تجري بأطفالها وقد احترق جزءاً منها ). الصراخ يجأر في الغابة من كل مكان.
واستغل الطامعون يا بني ذلك اليوم ليشنوا هجومهم بكل ما آتوا من قوة. والدك المقدام يا بني كان مشغولاً بإطفاء الحريق وإسعاف الأطفال والشيوخ.
فتفاجأ الجميع بدخول الطامعين الغابة. فتبين أن الحريق كان خطة وليس صدفة. فزأر والدك يا بني زارته الأخيرة أن ( أخرجوا النساء والأطفال من الغابة ) وقد حملتك على ظهري وأخذتك على ذلك الكهف.
الأم ( بحسرة ) : هذا ما جرى يا بني.
ضرغام : وما هو حال الغابة الآن يا أمي ؟
الأم العجوز: يحكمها الثعالب يا بني هم الآن ( بهيئة الأسد ) يزأرون كما يزأر الأسد ويعيثون فيها الفساد . أما في الخارج هم جبناء. مثل الأرانب تماما!!
لم يكتفوا بذلك يا بني بل زوروا التاريخ ليطلقوا على الخيانة اسم ثورة يظنون أن بفعلتهم هذه سيمسحون العار الذي لطخته أيديهم.
أريدك يا بني أن ترفع رأسك بأبيك. أنت الفجر القادم يا ضرغام. ها قد علمت الحقيقة. والآن هيا لنعود إلى كهفنا المظلم من جديد ..
انتهى..........