مسيو! لابد أن تعتذر

مسيو! لابد أن تعتذر؟!

أعاد صياغتها: يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

يعلم الإسلام  أبناءه الملتزمين بتعاليمه  العزة والكرامة  !وهذه الحادثة التي أوردها الإمام  حسن البنا في كتابه  مذكرات الدعوة والداعية توضح  ذلك 

في مبنى فخم يطل على قناة السويس كان المسيو سولنت كبير المهندسين يسكن !وقد بالغ في زخرفته  ‘وتأنق في أثاثه ،وجعل له حديقة غناء ينسيه جمالها حدائق باريس  ؟!وقد اعتاد ان يتفرغ  لتحسين مسكنه في أيام الإجازة

أمسك بالهاتف ، وطلب من سكرتيره أن يرسل له نجارا ماهرا لإصلاح مايظنه قد تلف  .

نظر سولنت من ثقب بالباب ،فرأى شابا أسمر اللون ، عريض المنكبين  ،له لحية خفيفة  ،يحمل في إحدى يديه زنبيلا يضم عدة وأدوات .

قال سولنت بعد أن استطاع إفهام النجار حافظ  ما يريد :كم تكلفة هذا العمل  ؟

قال حافظ :مائة وثلاثون قرشا . فصاح المسيو بعربية فيها لكنة فرنسية  : أنت حرامي ! ؟

ثار الدم في رأس حافظ ،ولكنه تمالك نفسه ، وقال بهدوء : ولماذا ؟

قال المسيو :لأنك تأخذ أكثرمن حقك !

قال حافظ  ، وهو يحدق في وجه سولنت  ، ويرميه بنظرات تجمع بين الازدراء والإشفاق  : مسيو ! إنني لن أتقاضى  شيئا إذا كان ما طلبته أكثر من القدر المناسب ..................   انتظر حافظ عدة دقائق  ، وقد وصل أحد الموظفين  الذي قدر العمل بمائتي قرش !

هز المسيو  رأسه ، وطلب من حافظ أن يبد أ العمل  .

قال حافظ  : سأفعل ، لكنك أهنتني ، فعليك أن تعتذر عما وصفتني به  .

لم يكن سولنت يتوقع  أن يسمع مثل هذا الكلام  ،فهو هنا الآمر الناهي ! فغضب واصطبغ وجهه بالحمرة  ،وقال في حدة ونزق  :تريد أن أعتذر إليك  ؟ ! ومن أنت ؟ لو طلب مني ملككم ذلك مااعتذرت .............؟ !

قال حافظ : وهذه غلطة أخرى يامسيو سولنت ........... كان أدب الضيافة يفرض عليك  ألا  تقول مثل هذا الكلام ؟!

أحس سولنت ، وهو يغلي في داخله ، أن هذا النجار استطاع أن يضعه أمام تحدي الند للند  ........  فتركه  وأخذ يتمشى في البهو الفسيح  ،ويداه في جيب بنطلونه . أما حافظ فوضع عدته ، وجلس على كرسي قريب  متكئا  على المنضدة .............   ومرت فترة من الصمت لايتخللها سوى وقع أقدام المسيو الثائر الغاضب  .

استدار سولنت ،وأشار بأصبعه  ، وقد حاول  أن يهدئ نفسه  ، وقال : افرض أنني لم أعتذر  ، فماذا ستفعل  ؟

قال حافظ : لن أفعل شيئا  سوى أنني سأكتب تقريرا إلى قنصلكم هنا  وإلى سفارتكم  ،ثم إ لى مجلس أدارة القناة بباريس  ، ثم إلى الجرائد الفرنسية  ،ثم أترقب  قدوم أي عضو من الأعضاء ؛ فأشكوك إليه  .

قال المسيو  متحديا ومستخفا  : وإذا لم يسمع لك أحد  ، ولم يرد عليك  ؟ ؟

قال حافظ : إذا لم أصل إلى حقي  ، فإنني أستطيع أن أهينك في الشارع ، وعلى ملأ من الناس  ، واكون بذلك قد وصلت إلى ماأريد .......... ولن اتقدم بشكوى إلى الحكومة المصرية التي قيدتموها بسلاسل الامتيازات الأجنبية  الظالمة .

أحس سولنت  أنه أمام رجل غير عادي ، على الرغم من بساطة مظهره ؟ ! فقال  ،وقد خفضت نبرة صوته  : يبدو أنني أتكلم مع ( أفاكاتو) محامي ،لانجار ! !

ثم انتفش  ،وشمخ برأسه ، وقال  :ألا تعلم أنني هنا كبير المهندسين  في قناة السويس  ؟ ! فكيف تتصور أن أعتذر  لك ؟ !

قال حافظ ،وهو ينظر إلى سولنت  من أعلى رأسه إلى أخمص قدمه :ألا يعلم المسيو  أن قناة السويس في وطني ،لاوطنه ؟ ! وأن مدة استيلائكم عليها مؤقتة ؟ وستنتهي  ،ثم تعود إلينا  ،فتكون أنت وامثالك موظفين عندنا ، فكيف تتصور ان أدع حقي لك ؟ !

                                                                                                                               

أحس سولنت أنه لم يربح في هذه الجولة أيضا  ، ولكنه  استمر في صلفه  فعاد يمشي مرة أخرى وهو مضطرب ..............  مرت فترة من الصمت  ،ثم التفت بسرعة  وقد تغيرت ملامحه  ،وطرق بيده على المنضدة في غضب  عدة مرات  ، وهويردد : أعتذر  ـ ياحافظ ـ سحبت كلمتي .

لم يرد حافظ بشيء ،ولكن قام بهدوء  ، وقال متشكر يا مسيو سولنت ........... وبدأ يعمل حتى انتهى من عمله  .

مد سولنت يده ، وأعطاه مائة وخمسين قرشا  ،فأخذ حافظ مائة وثلاثين  ،ورد إليه الباقي .

قال سولنت  :خذها ( بقشيشا ) . قال حافظ  : لا ......لا ........لا آخذ أكثر من حقي  ؛ فأكون  ( حرامي ) وركز بصره في عيني سولنت .

ارتبك  سولنت وقال في دهشة :إنني مستغرب ! لماذا لايكون كل الصناع أولاد العرب مثلك ؟أنت (فاميلي محمد )قال حافظ : كل المسلمين ( فاميلي محمد ) يامسيو سولنت ولكن الكثير منهم عاشروا الخواجات وقلدوهم ففسدت أخلاقهم ! لم يرد المسيو بشيء ، واكتفى وهو يمد يده مصافحا قائلا: متشكر _ كترخيرك _

انطلق حافظ بأجرته وزنبيله الذي يضم عدة العمل ، وكرامته التي لم يسمح لأحد أن يجرحها ن حتى ولو كان سولنت كبير المهندسين في قناة السويس.