الذئاب الشاردة
م. محمد حسن فقيه
صادق الزعيم الكبير للماشية على اتفاقيته مع جاره الذئب وعدوه التقليدي ، بعد أن اعتدى الذئب غلى مزرعة المواشي واستولى على أجمل وأثمن بقعة من تلك المزرعة ، على معاهدة طويلة الأمد يتعهد فيها الذئب بالحفاظ على سلطنة الخراف الهزيلة ودعم زعيمها الخانع والإبقاء علي زعامته ودعمه في تثبيتها ، ويتعهد بعدم الاعتداء على مزرعته أومهاجمة خرافه ، مادام وفيا للعهد جادا في تنفيذ بنود المعاهدة وصادقا في قمع الخراف التي قد تحدثها نفسها بالتمرد والمطالبة بمزرعتها المغتصبة ، وبالمقابل أن يفتح زعيم الماشية مزارعه أمام الذئاب للتنزه والسياحة وشم الهواء العليل ، بهدف الانفتاح ، وتبادل الثقافات ، كما يسمح للذئاب إضافة إلى ذلك بالتملك والإستثمار والتجارة على أرض مملكة المواشي ، في خطوة نحوتطبيع العلاقات وإزالة الحواجز وردم الهوة بين الخراف والذئاب على جميع المستويات والأصعدة ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتجارية والثقافية وغيرها .... ,
خصص الذئب للخراف إحدى زوايا المزرعة لإقامتها ، شريطة أن تتولى بطريقتها وأسلوبها القمعي المميز أي احتجاج أو تذمر من خرافها العنيدة ، أو ممن يفكر بالتمرد والخروج عن الطوق وتجاوز المألوف ، وأن يسمح لذئابه بالتجول والمراقبة للتأكد والمتابعة ورصد أي تحركات غريبة في مزرعتها بحرية كاملة ، بما يضمن أمنه وأمن جرائه الصغار من قبيلة الذئاب .
احتجت عشيرة الماعز وتمردت على هذه الاتفاقية والتي وصفتها بالهزيلة ، واتهمت زعيم الماشية الكبير بالعمالة والخيانة مع السادة الذئاب ، وحملته مسؤولية التفريط بثوابت ومقومات عشبرة الأنعام ، والتنازل عن مزرعة الخراف الخصبة والثمينة لقبيلة الذئاب ، مقابل تثبيت زعامته وتوريثها لأبنائه .
غضب الثور الكبير زعيم الماشية من هذا الاتهام ، وأخذته العزة بالإثم وهو يشهد هذا التمرد على اتفاقياته مع الذئب والتي باركها الدب والخنزير ، واعتبر هذا التمرد من عشيرة الماعز صفعة موجهة له وليس للذئاب ، بل هو إهانة شخصية مقصودة له ، ولا بد أن يلقن معشر الماعزوالتيوس والجداء درسا قاسيا ، لما سببوا له من إحراج كبير وأظهروه أمام مجتمع الغابة زعيما هزيلا غير قادر على تنفيذ اتفاقياته ، والوفاء بوعوده والسيطرة على ماشيته .
وزع الثور تعليماته على عجوله بتشديد الحصار على عشيرة الماعز العنيدة ، والتضييق عليهم ، كما وزع تعليماته على جميع زعماء الماشية الآخرين من أتباعه
بأن يحذو حذوه ، ويحاصروا معشر الماعزمعاقبة على تمردهم ، وعدم انصياعهم لتعليمات الثور التي أملاها عليه الذئب .
اشتد الحصار على عشيرة الماعز وعزلت عن العالم الخارجي ومنع عنها الماء والشعير، لإجبارها على الخضوع والانصياع لتعليمات الثور والذئب ، كما هدد زعيم الذئاب وبمباركة حليفه الثور بإطلاق ذئابه الضارية على عشيرة الماعز، لتذبح تيوسها وتسحق جداءها وتذل إناثها ، إن لم تثوب إلى رشدها وتكفر عن خطئها وتكف عن تمردها وتعتذر عن إساءاتها .
تسلل ثلاثة من الجداء إلى مملكة الثورلإحضار بعض الماء والشعير إلى عشيرتهم ، بعد أن اشتد عليهم الحصار وبلغت بهم الحاجة مبلغها ، لكن أعين العجول المتربصة بسبب تعليمات ثورهم المشددة ، استطاعت أن ترصد تحركاتهم وتتابع اتصالاتهم ثم ألقت بالقبض عليهم متلبسين بالجرم المشهود وهم يحملون معهم الماء والشعير ، وزجت بهم في حظيرة مظلمة تحت الأرض تعج بالرطوبة والعفن ، جراء ما اقترفت أيديهم الآثمة من جريمة نكراء ، فقد كسروا الحصار وتجاوزوا الحدود وانتهكوا القوانين وخرقوا المعاهدات واعتدوا على سيادة الدولة وهددوا أمنها ! .
اجتمع ثلاثة من الذئاب الضارية التي تحرس حدود امبرطورية الذئاب الصغيرة ، حتى لا يقترب منها أي متمرد كان جديا أو خروفا أو حتى عجلا من أتباع عشيرة العجول أبناء أصدقائهم وحلفائهم ، وبعد أن تسامروا وتجاذبوا أطراف الحديث وتنادموا ، وضعوا أمامهم كومة من ثمار الخشخاش ، جرحوا غلافها ولعقوا عسلها ، ثم فتحوها وسفوا حبوبها ولاكوها ، فغاب العقل وسرح الفكر وطاش الفؤاد ، فنهضوا يتعثرون بأرجلهم ويترنحون بأجسادهم ، بعد أن ثقلت رؤوسهم وتباطأت خطواتهم وهم يحملون أسلحتهم على عواتقهم ، ويسيرون بلا هدى ، حتى تجاوزوا الحدود ودخلوا حمى سلطنة العجول .
رصدتهم أعين العجول الحصيفة ، وكشفوا حقيقتهم وفهموا وضعهم بعد أن اقتربوا منهم وتأكدوا من صدق حدسهم ، فإن حركات الذئاب المترنحة وخطاهم المتعثرة لا تخفى على عجل عادي ، فكيف تخفى على عجول حصيفة مدربة ، فاقتربوا منهم برفق ، ونزعوا عنهم أسلحتهم بلطف شديد خوفا عليهم من العبث بأسلحتهم وإيذاء بعضهم ،لأنهم في عالم آخر وغياب كامل عن الوعي .
وبعد الاتصالات المطولة والمشاورات مع أصحاب القرار وعلى أرفع المستويات ، تم انهاء الأمر بتحقيق نصر سياسي وتقديم هذه الخدمة الجليلة من هز الذنب تقديرا ووفاء من سلطنة العجول إلى امبرطورية الذئاب ، فقد أعيدت الذئاب الثلاثة الشاردة
إلى امبرطوريتهم مع أسلحتهم التي كانوا يحملونها ، بعد أن قام العجول بعمل اللازم من احتفاء وتكريم للذئاب الشاردة ، وذلك من كرم الضيافة وتنظيفهم مما حل بهم من غبارالصحراء ورمالها وغيره... بعد أن غابوا عن وعيهم وضلوا طريقهم ، كما تم استدعاء طبيب مختص على جناح السرعة لمعالجة حالتهم النفسية المحطمة ، ثم تم توصيلهم فوق ظهور العجول السمينة مع الحراسة المشددة بأمان إلى حدود امبرطوريتهم ، برفقة مسؤول كبير من العجول نيابة عن الثور الكبير أمير سلطنة العجول ، بعد أن اتصل الثور الكبيربامبراطور الذئاب يشرح له القصة بتفاصيلها الدقيقة متأسفا على الحالة النفسية للذئاب الشاردة ، ومهنئا على سلامتهم ، وداعيا لامبراطورها المبجل بالسعادة الدائمة وطول العمر، آملا أن لا يتكرر هذا الأمرمع ذئاب أخرى ، وأن لايفجعهم الله بمكروه أبدا ! .