قال الراوي
قصة واقعية
أبو المنصور
قال الراوي:
حديثنا يا كرام، عن بطلٍ همام، وفارسٍ مقدام من بلاد الشام، تربّى على الإيمان، والطهر والإحسان، وحفظ القرآن وعشق الميدان، وله لسان مطبوع على البيان، لا يخشى إنسان في الحقّ أو جان. وقد رأى السادات يغطّون في سبات، فدأبهم رقاد كأنّهم جماد، وكلّهم في الدرب يسعون نحو الغرب، يرددون قوله، يؤيدون فعله، باعوا الضمير والنفير والوزير والخفير، فلم يعد لهم في الكون أيّ هم، إلّا رضى الأوغاد واستعباد العباد والبيع في المزاد للخلق والبلاد، فلم يعد يطيق بطانة الفساد وصاح في الفريق بزأرة الآساد:
مالي أراكم تابعين للأشقياء وخاضعين
مالي أراكم خلفهم مثل الكلاب مهرولين
في كلّ ما يأتون من سوء الفعال مقلّدين
إن أنكروا الحقّ الصراح تسارعون مصدّقين
أو حاربوا الإسلام كنتم في الصفوف محاربين
أو هوّدوا الأقصى ظللتم كالحجارة صامتين
حاشا الحجارة إنها ترمي وتؤذي الغاصبين
فيها الحياة وأنتمُ فيكم هلاك المسلمين
وعاد الفارس يروي ملخّصاً ما يجري، يصف الواقع والحال في دقّةٍ فقال:
وقرر ناتنياهو اللعين تدمير ما بقي من فلسطين، فحضّر الأوغاد، والجند والعتاد، وطارد العباد في كافّة البلاد، وهيّأ الأصفاد لإتمام المراد، وصادر البيوت وشرّد البشر، ورام أن يموت من يقذف الحجر، وأحضر اليهود والسيّاح، وجنده المدجّجين بالسلاح، وأدخل الجميع للأقصى يدنّسون قبلة المسرى، فاشتعل الغضب، واجتمع العرب، وقلّبوا الأمور ومحّصوا الأفكار، وذهنهم يدور وطال الانتظار، حتّى اهتدوا أخيرا لأفضل الحلول، وأعلنوا النفيرا وقرعوا الطبول، وأطلقوها صرخةْ تزلزل الآفاق، طريقنا طويلةْ تعجّ بالنفاق، نرى قطع الأعناق للشعب المسكين ولا قطع الأرزاق عن جمع السلاطين، نستأنف الكلام في السلم والسلام ولنبق في منام على ريش النعام، هنا سقطت عنهم ورقة التوت، وخيرٌ لهم أن يظلّوا في البيوت، فلم يعد في الناس أيّ شفقة على العملاء البغاة المرتزقة، حتّى الصغار جلّهم درى حقيقة التآمر الذي جرى، فاسمع حديثي يا صديق ولتروِ عنّي ما تطيق:
قد جاءني طفلٌ صغيرٌ لم تلوّثه السنين
ما زال يؤمن بالكتاب يحبّ كل المرسلين
وكذاك سيرة أحمدٍ خير ابن آدم أجمعين
ويحبّ أخبار الصحابة والرجال التابعين
ويقول لي متسائلاً ما ذلك الوضع المشين
أنرى اليهود بِغيّهم دُور العبادة آخذين
ومنازل القدس الشريف مصادرين وهادمين
وعن الصلاة الناس في الأقصى المبارك مانعين
أنراهمُ في ساحه يتجولون كسائحين
وولاة أمر العرب كانوا قبل ذلك نائمين
لكنّهم هبّوا وقاموا للمجالس عاقدين
وتشاوروا وتدارسوا حتّى انجلى النور المبين
قالوا ألا يا شعب أبشر أنت في حصنٍ مكين
إنّا عقدنا عزمنا وبنا القناعة واليقين
أن سوف نمضي العمر في درب التفاوض سائرين
تبّاً لهم ولرأيهم ولمنهج الذلّ المهين
أتكون ردّة فعلهم تقبيل أيدي الظالمين
وإذا قضى أمراً نتن ياهو أجابوا صاغرين
وإذا مضى في غيّه خروا ببابه ساجدين
وشريكهم عبّاس رمز الفاسدين المفسدين
من قالها ما دمت حيّاً لن أردّ المعتدين
فأنا على أرواحهم وعلى مصالحهم أمين
وأنا بقتل الثأر ـ في الأفكار ـ للقتلى ضمين
ما دمت حيّاً لن تروا في الناس أيّ مشاغبين
وجنوده عسسٌ تصون سلامة المستوطنين
فإذا أبيٌّ ثار في نابلس يوماً أو جنين
سلّوا له قبل العدو السيف والسوط المتين
وغدوا له سوء العذاب بغير لطفٍ سائمين
حتّى يلاقي حتفه في السجن قهراً بعد حين
أو يسلموه إلى اليهود الأشقياء الماكرين
ربّت الفارس على كتف الغلام، وقال هذا هو الفصل في الكلام، ثمّ امتطى جواده وسار سالّاً سيفه، ودرعه ورمحه، واستجمع جأشه، وراح في كلّ الضواحي والقرى يطوف ينادي فيها كلّ صاحي ويرصّ الصفوف، يقول في عزم الشباب المؤمن الأبيّ، يخاطب الفتاة والشيخ المسنّ والفتيّ:
يا شعب حتّام السكوت أما يحرّكك الأنين
أوما تثور على الطغاة الجاثمين الغاشمين
الظالمين الحاقدين المفسدين الخائنين
البائعينك في المزاد ولم يكونوا مشترين
من لم يزالوا للمناصب والكراسي عابدين
ياشعب حقّك مهدرٌ فمتى تكون به ضنين
فلأنت أولى بالفضا وثراك أنت به قمين
من يهتدي للحقّ ثمّ يحيد شيطانٌ لعين
فاصدح بصوتك عالياً واصرخ بوجه المجرمين
أعلن بعزّة مؤمنٍ وعزيمةٍ ليست تلين
إمّا أعيش غضنفراً وجميع أرضي لي عرين
أو لا، فأقضي في سبيل الله مرفوع الجبين
ما العيش إن أنا لم أذد بالروح عن عرضٍ ودين
ما العيش إن أنا لم أحرّر بالدما وطني السجين
وجزايَ لا أرجوه من ذهبٍ ومن ورقٍ ثمين
فجزاي عند العدل عند الله ربّ العالمين
فهو القويّ هو العزيز هو المهيمن والمعين
وهو المعزّ هو المذلّ وناصر المستضعفين
قال الراوي: ثمّ مضى ومن تبعه من الرجال، يضحّون بالأهل والروح والمال، وانقطعت أخبارهم لفترةٍ من الزمن واشتعلت من بعدهم بعض القلاقل والفتن، حتّى أتى نبأٌ يقول قد حطم الجند المغول، قد أدركوا مرادهم وحققوا آمالهم وطهّروا ديارهم وأنفذوا وعودهم. أمّا الهمام لا خبر عن حاله ولا أثر، فقائلٍ قد انتصر وقائلٍ بلغ القمر، وقائلٍ قبل الظفر دمه تناثر وانتشر، يسقي الأراضي والشجر حتّى استوى منه الثمر، وتضاربت أخبارهم وتعارضت أقوالهم، لكن خذوا منّي المقال، ودعوا التساؤل والجدال، أيّاً يكن خبر الفتى، مَن كيف ماذا لِمْ متى، فالثابت الحقّ المفيد، وأنا من القول أكيد: إنّ الشهيد إذا قضى وعن الحياة إذا مضى، حيٌّ سعيدٌ في الجنان حيث الخلود والأمان في حضرة الحيّ المنّان الواحد الأحد الرحمن، وهنا يا سادة يا كرام أنهي الحكاية.. والسلام.
