الذئاب
الذئاب
جميل السلحوت
[email protected]
خرجت الذئاب لتصطاد طعامها بعد أن خيّم الليل ، وقف الذئب الذكر مع ذئبتين اثنتين
على سفح الجبل، يراقبون حظيرة الأغنام المحاذية لسفح الجبل المقابل قرب الوادي ،
رأت الذئاب الراعي وقد انتهى من حلب أغنامه ودخل إلى خيمته المقامة عند باب الحظيرة
.
رأته يتوضأ ويصلي العشاء ... ثم يخرج ويدور حول الحظيرة ليطمئن أن القطيع جميعه
داخل الحظيرة، ثم يعود إلى خيمته ، ويؤوى أطفاله في فراشهم ، يطفيء ضوء المصباح ،
ويضطجع بجانب زوجته .
حظيرة الأغنام محاطة بسلسلة من الحجارة مبنية بشكل شبه دائري من ثلاث جهات ، ترتفع
عن الأرض حوالي المتر ، أما الجهة الرابعة فإنها سفح الجبل المنحدر بشكل مائل وحاد
، يتوسطها كهف.
الذئاب مقعية على مؤخراتها كما الكلاب ، تراقب الوضع ، غير أنها لا تمد ألسنتها
ولا يسيل لعابها بشكل دائم مثلما هو طبع الكلاب .
تقدمت الذئاب ببطء شديد من جهات الحظيرة الثلاثة ، أما الجهة الرابعة فلم تقترب
منها لأن خيمة الراعي مقامة عليها .
نبح
الكلب المربوط في الجهة الغربية من الحظيرة فوق الكهف ، وكان يحاول الهجوم على
الذئب الذكر إلا أن الحبل كان يشده إلى الخلف . أما الكلب الآخر فإنه لم ينبح لأن
الكلاب لا تنبح على إناث الذئاب ، بل إنها تلعب معها ، وتشمها وتحاول التزاوج معها
. استيقظ الراعي على نباح الكلب الأول لكنه اطمأن لعدم نباح الكلب الثاني ، فبقي في
فراشه مستمتعا بدفئه .
انقض الذئب وإحدى إناثه على القطيع، واختطف كل واحد منهما حملا صغيرا ، في حين كانت
الأنثى الثانية تداعب الكلب، حتى انتهى زميلاها من مهمتهما . إنجفلت الأغنام إلاّ
الكباش الأربعة صاحبة القرون المعقوفة إلى الخلف، لتعود مرة أخرى إلى الأمام بشكل
حاد وجاهز للنطاح ، فإنها لم تتحرك من مكانها .
قفز
الراعي من فراشه عندما انجفلت الأغنام إلا أن الذئاب كانت هربت بصيدها. لم يتأكد
الراعي من إن الذئاب اختطفت حملا أو أكثر من قطيعه،أم أنها لم تتمكن من شيء .
ثغت
نعجتان بمرارة على حمليهما المفقودين طوال الليل ... كانتا تدوران في الحظيرة
مذعورتين وتثغوان كأنهما تناجيان الراعي ليعيد إليهما إبنيهما ، فأيقن الراعي من
ثغائهما المتواصل أنهما فقدتا حمليهما.
***********
ابتعدت الذئاب حوالي نصف كيلو متر من الحظيرة ، ولمّا تأكدت أن لا أحد يطاردها جلست
وأجهزت على صيدها ، وبدأت تأكل لتملأ بطونها الجائعة ، وبعد أن شبعت حملت ما تبقى
طعاما لصغارها التي تركتها في وكرها ، فجاء ثعلب جائع على رائحة الدم، فأكل ما
تبقى من جلدي الحملين ، ولعق الدماء التي سالت على الأرض .
***********
وفي
الليلة الثانية وبعد أن خيّم الظلام خرجت الذئاب الثلاثة مرة أخرى للصيد ، فذهبت
تراقب قطيعا آخر ، ولما تأكدت من أن الراعي وأسرته قد ناموا ، اقتربت من القطيع
بحذر شديد ، فاطمأنت لعدم وجود كلاب تحرس القطيع ، اقتربت أكثر فأكثر من القطيع
الذي انجفل عندما شم رائحة الذئاب باستثناء الكباش الثلاثة ، اثنان منها كانت لهما
قرون معقوفة حادة ، والثالث أقرع بلا قرون ، وقفت الكباش الثلاثة مكانها في حالة
استنفار على شكل مثلث في رأسه الأمامي يقف الكبش الأقرع ، ... الكباش تقف مستعدة
تخبط بأقدامها الأمامية مستعدة للمنازلة . تقدم الذئب الذكر يراوغ الكبش الأقرع ،
استعدادا لإخافته ومغافلته للانقضاض على أحد الخراف الصغيرة ، في حين كانت الذئبتان
الأخريان تفعلان نفس الشيء مع الكبشين صاحبي القرون .
الكبش الأقرع ينقض على الذئب وينطحه في جبينه ، ينقلب الذئب على ظهره فيدوسه الكبش
الأقرع بقائمته الأمامية الأولى ، فيُولّي الذئب هاربا .
وفي
نفس الوقت انقض الكبشان صاحبا القرون على الذئبتين ، فنطح كل واحد منهما ذئبة في
بطنها فانقلبتا على ظهريهما وولتا هاربتين وهما تعويان عواءا خافتا من شدة الألم .
***********
عادت الذئاب إلى وكرها تجر أذيال الخيبة والفشل ، وأخذ الذئب الذكر يبحث عن بقايا
أشلاء الحملين اللذين اصطادهما ورفيقتاه في الليلة الماضية ، في حين انبطحت
الانثيان ، وتمددتا كل واحدة منهما على جانب، وكأنها ميتة ، فهجم صغارها على
أثدائهما يمتصون الحليب ويتعاركون .
***********
وفي
الليلة الثالثة اجتمعت الذئاب الثلاثة لتتباحث في المكان الذي يجب أن تصطاد فرائسها
فيه :
قالت الذئبة الأولى : نذهب في البراري لعلّنا نصطاد غزالا فهو يكفينا كلنا ، فأنا
غير مستعدة أن أهاجم قطعان الغنم بعد الآن ، فأحشائي تؤلمني بعد أن نطحني الكبش
صاحب القرون المعقوفة، وداس في بطني .
فقال الذئب الذكر : لا يوجد في البراري غزلان، فالبشر قضوا على الحياة البرية في
منطقتنا ، ولم يعد إلاّ بعض الأرانب وهي قليلة العدد ، ولا تبتعد كثيرا عن جحورها ،
وإذا ما شعرت بنا فإنها سرعان ما تهرب إلى جحورها الضيقة الطويلة التي لا نستطيع
ملاحقتها فيها .
وقالت الذئبة الثانية : نعود إلى القطيع الأول ، فالكباش لا تتحرك من مكانها ، وإذا
ما تحركت فإنها تناطح بعضها البعض، ولا تسأل عن صغارها وإناثها ، ولا يشغلها إلا أن
تتنافس على الاستحواذ بالإناث ، والكلاب التي تحرسها عندما ترانا نحن الإناث لا
تنبح وتحاول التقرب منا . و لكن لا بد أن الراعي قد أخذ احتياطاته لحماية قطيعه بعد
أن سلبناه اثنين من خرافه .
فقالت الذئبة الأولى : بما أننا وزميلتي قادرتان على إغواء الكلاب فإنها لا تنبح
علينا ، وما دامت الكباش تتقاتل مع بعضها البعض ، فإن القطيع سيكون في متناولنا .
ولن يستطيع الراعي أن يسهر الليالي كلها ، وبإمكاننا أن نغافله وأن نختطف طعامنا من
قطيعه .
فعوى الذئب الذكر والذئبة الثانية دلالة الموافقة .