اللّص
اللّص
خالد ساحلي
صعد الحافلة المكتظة عن آخرها ، مسافرون يقفون في طابور ، الأجساد متلاصقة كسمك السردين ، يمسك الواقفون بقضيب من الألمنيوم مثبّت في سقف الحافلة يجنبُهم الإرتطام أثناء المنعرجات ، كان اللص يقف في ذاك الطابور يتفحص الجميع ، ينظر لأماكن محددة ، بينما راحت أصابعه التي لا تخطأ تتحسس النقود ، لقد تمرن على معرفة عدد الأوراق كما المبالغ في جيوب أصحابها ، ثبـّت عينيه على يد رجل ضخم يضع حقيبة أوراق بيمناه ، الحقيبة معلقة باليد الماسكة في قضيب الألمنيوم ، كأن اللص يملك قرون إستشعار أو في عينيه أشعة ما تحت الحمراء تخبرانه بما تخفيه حقيبة اليد ، كيف يخرج النقود اللعينة وهذا الضخم لا ينزل يده ، تعرّق وأظطرب ، تعجّل الصيدالثمين ، أقترب منه أكثر ، جمع شجاعته ، تريث إلى أن تصل الحافلة للمنعرج وتدخل النفق المظلم ، مائة متر ، يعني عشر ثواني لتخرج الحافلة للجهة الأخرى من النفق ، لا شك تكفيه ليفتح (سحّاب) الحقيبة و هي في يد الرجل الضخم ، دخلت الحافلة النفق بعد خروجها كان قد رجع للخلف ليبعد الشبهة عنه ، لمح الرجل الضخم سحّاب حقيبته مفتوحا أصابه الذعر ، أدخل أصابعه وراح يبحث عن حزمة أوراقه النقدية ، لقد حرص على أن لا تضيع منه لذا تجنب إنزال يده لتبقى أمام ناظره ، شعر باللص قد تغاباه ، شعر بالدم يغلي يفوريتصاعد لرأسه دفعة واحدة ، بصوت جهوري أرتجت له الحافله زاجرا السائق : " على محافظة الشرطة إلى السنترال ، سرقت سرقت " راح الضخم يفتش بعينين يتطاير منهما الشرر جاحظتين عن وجه ما ، راح يدنق النظر في اللص ، تجاهل هو نظراته حتى يبعد الريبة عنه ، الرجل الضخم ينظر بحنق إليه معيدا الكلام نفسه للسائق وقد أضاف : "إلى السنترال فالسارق لا زال هنا ، أعرفه لا تتوقف إلى أن نصل المحافظة " ظن أمره قد كشف و لأن كل محافظات الشرطة تعرفه لسوابقه العدلية الكثيرة أرتعدت فرائسه ، شعرببرودة في رجليه ، تصمّر في مكانه حتى لا يثير ظنون الرجل الضخم أكثر ، كان المبلغ المسروق بجيبه الأيمن ، نظر لأحد الركاب بجانبه ، أستدار و لأن الحافلة مكتظة عن آخرها لم يتفطن له أحد حين أدخل يده لجيبه و أستخرج حزمة الأوراق النقدية المسروقة ووضعها في جيب الراكب الواقف أمامه ، بعد وصول الحافلة للمحافظة ( السنترال ) سأل محافظ الشرطة السائق عن عدد المحطات التي توقف بها قبل معرفة الضحية بأنه سرق ، عدّ له مواقف الحافلات التي مر بها و عناوينها أيضا، لم يفتش المحافظ الركاب لإنعدام الدليل خاصة بعد عبور الحافلة لعدة محطات "قد يكون السارق نزل بإحداها " قال محافظ الشرطة ، لكن الرجل الضخم انفرد بالمحافظ دلـّه بيقين على السارق ، أخرجه محافظ الشرطة من بين الركاب ، عرفه ، فتشه ، لم يجد عنده غير قطع نقدية و أوراق ثبوتية ، أعتذر له ، بلغة الثعالب التائبة الشاتمة للماكرينا قال له : " عفى الله عن الزمن القديم ، تاب الله علينا أيها المحافظ الحمد لله " مما أظطر المحافظ للإعتذار من جديد و قال : " عفوا لكن هو عملي " ركب الجميع إلا الرجل الضخم بقى لإكمال المحضر، لقد رفع شكوى ضد مجهول ، رجع كل راكب لمكانه بالحافلة ، تلاصقت الأجساد ثانية ، أقترب اللص أخرج حزمة الأوراق النقدية نفسها من جيب الراكب بخفة ، الراكب لا يدري أي مصيبة كانت ستحل به لوفتش المحافظ الجميع ، ستر الله ، نزع اللص ورقة بألف دينار أعادها لنفس جيب الراكب كأنها أجرة عمله اليومي دون أن يدري فقد كان غائبا عما يحدث له ، كان السائق يراقب ذاك المشهد في المرآة و السائق هو السائق لا يتغير فهذا عمله ووجهه مألوفا أما الركاب فتتغير وجوههم أما اللصوص فلهم وجه واحد ، السائقون يكتمون الشهادة خوفا على حياتهم و على حياة أبنائهم ، حكمتهم في ذلك كما يذكـّر السائق نفسه دائما " اللصوص مزرعون في كل مكان من هذا الوطن موجودين في كل المستويات فالصمت ليس خيانة بل حماية للنفس " لمّا توقفت الحافلة أقفّل اللص إحدى عينيه للسائق غمزه ونزل.