لجنة تحكيم

عبد الله عيسى السلامة

عبد الله عيسى السلامة

"لقد أخفقت لجنة التحكيم.. أجل! أخفقت إخفاقاً ذريعاً.. لم تستطع أن تتفق على شيء.. لم يستطع اثنان من أعضائها الخمسة الاتفاق فيما بينهما، حول أفضلية قصة واحدة من القصص الخمس المعروضة على اللجنة.. أجل، لم يتفق اثنان.. اثنان فقط من بين الأعضاء الخمسة الذين تتكون منهم لجنة التحكيم..

أهذا عجيب!؟ أهو حرام؟ أم عيب؟ أهو مظهر حضاري راقٍ؟ أهو دليل تخلف؟ أهو مؤشر قوي على تقزم الفكر وتشرذمه وضياعه في هذه الجامعة، بل في هذا المجتمع، بل في هذه الأمة..!؟ أهو إيحاء بأن هذه الأمة، بدأت تنهض من سباتها، ويكوّن كل فرد فيها شخصية مستقلة متميزة تستعصي على الذوبان في شخصيات الآخرين..!؟".

كانت هذه الأحاديث وأمثالها هي الشغل الشاغل لطلبة كلية الآداب في الجامعة، في اليوم الذي أعلنت فيه لجنة التحكيم عن إخفاقها في اختيار أفضل قصة..

كانت أعداد من الطلبة تتمشى في ممرات الجامعة، وأعداد أخرى تجلس في المقصف، أو تتحلق وقوفاً قرب نافذة من نوافذه.. وكانت أعداد غيرها تفترش العشب في حديقة الجامعة، بين قاعد، ومضطجع، ومستلق، ومنبطح.. وكانوا كلهم يتحدثون عن هذه الظاهرة.. بين متندر وآسف، وجاد وساخر.. ومستغرب ومتشكك.

قال أحد الطلبة، وهو يدخن سيجارته فوق عشب الحديقة باسترخاء:

- معقول!؟

قال طالب آخر وهو يقضم قطعة من البسكوت: معقول ونُصّ!

قال الأول: ولم وضعت هذا النُصّ؟

قال الثاني: لأزيدك قناعة بمعقولية ما حصل.

قال الأول: تزيدني قناعة بمعقولية هذا العبث!؟

قال طالب ثالث: أرجو أن يسمح لي الأخوان الكريمان بالمشاركة، إذا لم يكن لديهما مانع.

قال الأول: وما المانع؟ تفضل.

قال الثاني: وهل الحديث ملك لأحد؟! فليدل كل منا بدلوه.

قال الثالث موجهاً خطابه إلى الأول: إذن لي رجاء عندك يا زميل صفوان.

قال الأول "صفوان" وهو ينفث دخان سيجارته: العفو.. تفضل، تفضل يا زميل أسعد.

قال الثالث "أسعد": أرجو ألا يكون في الأمر إحراج إذا طلبت من الإخوان الكرام مناقشة الأمور بموضوعية –على قدر الإمكان-.

قال الثاني "إسماعيل" مؤيداً كلام أسعد: صدقت يا زميل أسعد صدقت.. لا بد من الموضوعية في أي حوار، وإلا فقدت المناقشات جدواها.

قال الأول "صفوان" وهو يحك أسفل ذقنه وينظر إلى أسعد بفتور: وما تعريفك للموضوعية يا زميل أسعد؟

صمت أسعد قليلاً، وقد أحس بالحرج تجاه هذا السؤال، فهو بين أمرين: إما أن يجيب عليه حسب فهمه للموضوعية، فيدخل في دوامة فكرية لغوية، يختلف الناس حول كثير من عناصرها الجزئية.. وإما ألا يجيب فيظهر بمظهر الجاهل بمصطلحاته التي يدعو الناس إلى التمسك بها.

سعل سعلة خفيفة وقال: الحقيقة أنني أردت تسمية الأشياء بأسمائها، دون الدخول في تعريف الموضوعية الذي قد نختلف حوله.

قال صفوان: حسن.. وماذا تعني بـ "تسمية الأشياء بأسمائها"؟

قال أسعد: أعني عدم الحط من شأن الآخرين أو من بعض تصرفاتهم.

قال صفوان: أوضح بالضبط.

قال أسعد: أعني ألا يسمى تصرف الناس عبثاَ، إلا إذا كان عبثاً في حقيقته، أو غلب عليه العبث بشكل كبير.

قال صفوان: وهل تعتبر سخافة لجنة التحكيم، جداً أو شيئاً يشبه الجد؟ وهل تعتبر اعتذارها التافه عن عدم الوصول إلى اتفاق، أمراً جديراً بالاحترام؟

قال أسعد بلهجة ساخرة: أخشى أن تكون شتائمك هذه عين الجد!

قال صفوان: أنا لا أشتم، بل أسمي الأمور بأسمائها، بناءً على طلبك.

قال أسعد: مرحى.. مرحى..

تنحنح طالب رابع، كان مضطجعاً على شقه الأيسر ويده على خده، ثم جلس متربعاً، وهو يقول بصوت فيه شيء من التحدي: لا مرحى ولا ترحى يا زميل أسعد، يبدو أن الأمور بدأت تفقد أسماءها فعلاً، لكن ليس عند زميلنا صفوان.. بل عندك أنت.. واعذرني على هذه الصفاقة.

قال أسعد باسماً بهدوء: ما دمت قد سميت كلامك هذا صفاقة، فهذا دليل على أن الأسماء ومسمياتها ما تزال بخير، يا زميل أنيس.

قال مروان بصوت أجش: بصرف النظر عن هذه الفذلكات اللغوية، وعن جهود زملائنا المشتركين في المسابقة، التي ذهبت هدراً، يؤسفني أن أقول: كان على اللجنة أن تحترم نفسها أولاً، وأن تحترم إدارة الجامعة التي أحسنت الظن بها فأسندت إليها مهمة التحكيم، وأن تحترم جهود الطلبة وأوقاتهم ومشاعرهم.. هِهْ.. قال لجنة قال..!

عقب سعيد وهو مستلق على العشب ويداه تحت رأسه: قال موسم ثقافي قال..!

قال عارف وهو منبطح ينكت الأرض بعود صغير: قال دكاترة في الجامعة قال..!

قال رياض بحدّة: العمى..! إذا كنا عاجزين عن الاتفاق حول قضية صغيرة كهذه، فكيف سنتفق حول القضايا الهامة أو العظيمة أو الخطيرة!؟

قال كامل ساخراً: ومن!؟ النخبة المثقفة.. قادة الفكر سدنة العلم.. أساتذة الجيل.. يا سلام.. خمس قصص قصيرة، كل قصة لا تجاوز أوراقها أصابع اليد، لا يستطيعون الاتفاق حول واحدة منها، برغم دراستها شهراً كاملاً.. أإلى هذا الحد بلغ التشابه بين القصص، بحيث لا يمكن تفضيل واحدة على أخرى ولو بدرجة واحدة..!

قال سرحان: العلة يا زميل كامل ليست في القصص، بل في الأمزجة التي تتعامل معها.. فحين يتشبث كل "دكتور" بقصة من القصص المعروضة، ويعتبرها أفضل من سواها، ولا يقبل التنازل عن شيء من قناعته، بل قل: عن "مزاجيته" فهذا يعني أن العلة تكمن في المدارس، لا في المدروس.

قال شبيب: ولو كانت زاوية الرؤية واحدة في النظر إلى العمل الفني لالتمس المرء عذراً إلى حد ما.. إلا أن الزوايا كثيرة ومتنوعة، منها ما يتعلق بالشكل، ومنها ما يتعلق بالمضمون.. ولكل من هذين العنصرين زوايا كثيرة جداً ومختلفة الأشكال والأبعاد.

قال أسعد باسماً بهدوء: لست أدري يا زميل شبيب.. ما إذا كنت في كلامك هذا تلتمس مسوِّغاً لاختلاف اللجنة، أم تؤكد على ضرورة اتفاقها.

نظر شبيب إلى وجه أسعد بشيء من الحيرة، وقد أحس ببعض الارتباك، ثم قال وهو يبلع ريقه بشيء من المكابرة: بل أنا أؤكد على ضرورة الاتفاق.

قال أسعد باسماً: وهل تصلح حجتك هذه لدعم وجهة نظرك!؟

تدخل فريد مازحاً: ترى لو أن القصص المقدمة إلى اللجنة كانت ستاً أو عشراً فكيف سيكون موقف اللجنة الموقرة؟

أجابه كامل بسرعة: بسيطة.. ينقسم كل دكتور إلى اثنين، ويتمسك كل منهما بقصة.

قال رياض: ولو كانت القصص عشرين.. ماذا سيحصل يا ترى؟

كامل: ينقسم كل دكتور إلى أربعة، ويفضل كل منهم قصة.

قال أسعد بهدوء: أظن الزملاء الكرام، يعلمون جميعاً أن القصص المقدمة إلى المسابقة، كانت سبعاً وعشرين قصة، وقد حصلت عملية غربلة واختيار.. وتم الاتفاق بين أعضاء اللجنة على خمس، باعتبارها أفضل من سواها.. لكن الصعوبة كانت كامنة في اختيار واحدة من هذه الخمس وإعطائها جائزة المسابقة.. ولعل هناك عيباً في طريقة تنظيم المسابقة.. أعني أسلوب الاختيار.. وربما كان الاتفاق سيحصل، لو اختلفت الطريقة عما هي عليه الآن.. أما أن نطلب من دكتور يحترم قناعته ورأيه، أن يتنازل عنهما، ليوافق آراء الآخرين، فهذا فيه شيء من التعسّف والتجنّي على عقول الناس.. والله أعلم.

قال رياض ساخراً: هذا منطق عجيب يا زميل أسعد.. ضياع أوقات الطلبة وجهودهم، والعبث بمشاعرهم ليس فيه تعسّف ولا تجنِّ.. والاختلاف العجيب في وجهات نظر المحكّمين ليس فيه تعسف ولا تجن! أما طلب الاتفاق على رأي واحد، وطلب احترام الناس واحترام عقولهم وجهودهم.. ففيه تعسّف وتجنٍّ..! لست أدري، بأي مقياس يقاس التعسف والتجني.

أحس أسعد بالحرج، حين رأى زملاءه جميعاً يقفون ضده، وشعر أن تسويغاته المعقولة، تقابل أحياناً بردود معقولة، ولو من حيث الظاهر.. إنه ليس ضد الاتفاق عامة، وليس ضد اتفاق لجنة التحكيم خاصة، بل يحبذ هذا وذاك.. إلا أنه ضد التنازل عن القناعة الشخصية، لمجرد موافقة الآخرين.. إنه ضد تخلي المرء عن رأيه الذي يراه صواباً، ليساير الآخرين في رأي يراه خطأ.. أما إقامة الجسور بين القناعات المتعارضة فلا يرى فيه بأساً، بل يراها ضرورية أحياناً، إذا كان فيها مصلحة ظاهرة.. وكذلك البحث عن نقاط التقاء، بين الآراء المتضادة.. إلا أنه إزاء حماسة زملائه للاتفاق، أياً كان نوعه أو أسلوبه، وجد نفسه في موقف حرج.. فخطرت له فكرة طريفة، عزم على إخراجها إلى حَيّز الواقع.. فقال موجهاً كلامه إلى زميله رياض:

- ما رأيك يا زميل رياض في اقتراح أقترحه عليك الآن؟ وأرجو أن يشاركنا الزملاء في دراسته وإنضاجه.

قال رياض: تفضل.

قال أسعد: أن تذهب وتحصل لنا على خمس صور عن القصص الخمس المعروضة على لجنة التحكيم، سواء باستعارتها من اللجنة نفسها لتصويرها وإعادتها، أو باستعارتها من أصحابها أنفسهم، أي الطلبة المتسابقين، وأظنك تعرفهم جميعاً.

قال رياض مستغرباً: وما الهدف من هذا الاقتراح؟

قال أسعد: إجراء تجربة.

قال رياض: تجربة ماذا؟

قال أسعد: نشكل لجنة من الطلبة لدراسة القصص وتقويمها، واختيار أفضل قصة من بينها.

قال رياض: وما صلاحية هذه اللجنة.

قال أسعد: لا صلاحية لها، وإنما عملية استئناس برأي الطلبة.. لعل زملاءنا الكرام إذا اتفقوا على قصة بعينها، يكونون قد قدموا لنا رأياً نستأنس به، ونعرضه على لجنة الدكاترة المحكّمين، علّه يضيف إليهم عنصراً جديداً يساعدهم على الاتفاق..

قال رياض: أنا لا مانع لدي من حيث المبدأ.. ولكن.. ألا ترى أن في الأمر حرجاً؟

قال أسعد: وأين يكمن الحرج؟ في الحصول على الصور؟

قال رياض: لا.. هذه بسيطة.. لكن الحرج في تشكيل اللجنة.

قال أسعد: وأي حرج في هذا.. إن زملائنا الكرام، فيما ألاحظ، متحمسون جميعاً للحصول على قرار من لجنة التحكيم.. وجهدنا هذا يصب في هذا الإطار.. وكونه غير ملزم للجنة التحكيم، لا يعني بالضرورة أنه غير مجدٍ.

قال رياض: لا بأس.. كيف ستشكل لجنة الطلبة؟

قال أسعد: من حيث العدد سيكونون خمسة، بعدد لجنة الدكاترة.

قال رياض: ومن حيث طريقة التشكيل.

قال أسعد: يمكن تشكيلها بالتطوع أو بالترشيح.. فأيهما تفضّل؟

قال رياض: فلنجرب التطوع..

التفت رياض إلى زملائه الجالسين بوضعيات شتى، يسمعون الحوار، وقال: من يتطوع من الزملاء الكرام ليكون عضواً في اللجنة التي اقترحها زميلنا أسعد؟

رفع الجميع أيديهم باستثناء أسعد، واثنين آخرين، هما صفوان وكامل.. وعند عد الأيدي المرفوعة، تبين أن هناك زيادة عن العدد المطلوب. فقال رياض:

- إن ما نحتاجه هو خمسة زملاء، وعدد المتطوعين أكثر من ذلك، فمن ينسحب من الإخوان؟

لم يجبه أحد، وظلت الأيدي مرفوعة، بما فيها يده.. ثم كرر السؤال ثلاث مرات، فلم ينسحب أحد، وظلت الأيدي مرفوعة بما فيها يده.. نظر أسعد إلى زملائه باسماً وقال: ما رأي الإخوة الكرام بإجراء القرعة..

قال سرحان: القرعة على ماذا؟

قال أسعد: القرعة على من يكون عضواً في اللجنة.

قال سرحان: أنا أفضل القرعة على من ينسحب.

قال أسعد: أظن النتيجة ستكون واحدة في النهاية.

قال سرحان: يمكنك الاحتفاظ بظنك إلى ما بعد تشكيل اللجنة.

قال عارف: صدقت "إن بعض الظن إثم".

قال رياض: أنا أفضل القرعة على من يدخل اللجنة.

قال إسماعيل: ورأيي من رأيك يا زميل رياض.

قال أسعد: برغم قناعتي بأن النتيجة واحدة، أقترح أن يكون الاقتراع على من يدخل اللجنة.

قال سرحان: وأنا أقترح أن يكون على الانسحاب.

قال أسعد: وما وجهة نظرك في هذا؟

قال سرحان: هذا رأيي الشخصي.. أتريد أن تحقق معي بشأنه؟

قال شبيب: صدق الزميل سرحان.. لا يجوز أن يمارس أي ضغط على الرأي الشخصي. وأنا أؤيدك يا زميل سرحان في ضرورة الاقتراع على من ينسحب.

قال عارف: على من يتمسك بالاقتراع على دخول اللجنة، أن يبين وجهة نظره، والأساس الذي بنى عليه قناعته.

قال إسماعيل: بسيطة.. دخول اللجنة عمل إيجابي، والانسحاب عمل سلبي، والاقتراع على الإيجاب، أفضل من الاقتراع على السلب.. ولا سيما أن الاقتراع على السلب فيه مساس بكرامة الطالب المنسحب.

قال سرحان: يا سلام على الذوق.. قال "كرامة الطالب المنسحب" قال..! وما علاقة الكرامة الشخصية في الموضوع؟

قال شبيب: وما معيار المسّ بالكرامة أو عدم المسّ بها يا زميلنا الفيلسوف؟

قال إسماعيل: الرجاء عدم الغمز واللمز..

قال عارف: أنت تغمز وتلمز وتهمز..

قال سرحان: وضعت كرامتنا على المشرحة، وتطلب عدم الغمز واللمز!؟

قال أسعد موجهاً كلامه إلى رياض وإسماعيل: ما رأيك يا زميل رياض، وأنت يا زميل إسماعيل في موافقة الزملاء على فكرة الاقتراع على الانسحاب!؟

قال رياض: أعوذ بالله! أنا أتنازل عن قناعتي لهؤلاء.

قال إسماعيل: أتطلب منا يا زميل أسعد التخلي عن آرائنا.. ألا تعلم أن رأي الشخص جزء من كيانه.. وأن تخليه عنه يعني إعدام شخصيته!؟

قال أسعد: أتسمحون لي أيها الزملاء بحسم الموضوع!؟

قال شبيب: بصفتك ماذا؟

قال أسعد: بصفتي زميلاً لكم.

قال سرحان: أنعم بهذه الصفة!

قال عارف: لقد استأثر لنفسه بصفة الزمالة وجردنا منها.

قال أسعد: لكني لست داخلاً أصلاً في اللجنة، وأرجو أن أكون بهذه الصفة محايداً.

قال سرحان: وهذان الزميلان صفوان وكامل ليسا داخلين في اللجنة أيضاً، فهما شريكان معك بهذه الصفة، فما الذي أعطاك حق الحسم في الموضوع وحرمهما منه.

قال أسعد باسماً: ولكن لا تنس يا زميل سرحان، أني صاحب الفكرة أصلاً.

قال سرحان: وماذا يبنى على ذلك؟ إن فكرتك خرجت من رأسك وأصبحت اقتراحاً يتداوله الجميع. وكلنا شركاء في حق المداولة وإبداء الرأي.

قال أسعد: أنا آسف.

قال عارف: أجل أسفك إلى وقت يجد فيه قبولاً.

قال أسعد: عندي اقتراح آخر لعله يحل المشكلة.

قال سرحان: تفضل.

قال أسعد: اقترح أن نصوّت برفع الأيدي على اختيار أسلوب الاقتراع: بدخول اللجنة أو الانسحاب منها.

قال شبيب: ومن سيصوّت؟

قال أسعد: جميع الحاضرين.

قال عارف: وما علاقتك أنت وصفوان وكامل، ما دمتم لستم مرشحين أصلاً لدخول اللجنة!؟

قال صفوان: أتريد أن تحرمنا حتى من حق التصويت على اختيار أسلوب الاقتراع يا زميل عارف!؟

قال عارف: طبعاً! وما حقكم في الاقتراع، ما دمتم خارج الموضوع أصلاً!؟

قال كامل: ومن أدخلك في الموضوع وأخرجنا منه أيها العبقري!؟

قال عارف: بلا فذلكة وكلام فارغ.

قال كامل: حسن ألفاظك يا ولد.. وإلا..

قال عارف: وإلا ماذا يا سفيه!؟

قال كامل محتداً: وإلا حطمت رأسك يا قليل الأدب.

قال عارف: أنت تحطم رأسي يا نذل!؟

قال صفوان: صدق من قال: إن التواضع للئام مذلة.. لقد رآنا السيد عارف تواضعنا قليلاً، ولم نرشح أنفسنا لدخول اللجنة، فظن نفسه المؤهل الأول للحكم في قضايا الأدب والفن.

قال كامل معقباً: ولو درى هذا الفيلسوف المتنطع أني أضعه في قعر جيبي في شؤون الأدب، لما جرؤ على رفع صوته أمامي..

قال عارف: أنت تضعني في قعر جيبك يا بليد.. سنرى.. سنرى عندما تشكل اللجنة وتأتينا النسخ المصورة عن القصص الخمس.. سنرى أيّنا البليد، وأينا الذي يجيد الدراسة والتمحيص والاختيار.

قال صفوان ساخراً: صدقني يا سيد عارف لو اخترت أفضل قصة في الدنيا ثم ذهبت إلى والدك، ليوافقك في اختيارها، فسينبذها ابتداءً دون أن يقرأها ويختار غيرها.

قال عارف: ولم أيها الألمعي؟

قال صفوان ساخراً: لمعرفة والدك بذوقك الرفيع جداً.. إذ مثل هذا الذوق لا يمكن أن يأتي بخير أصلاً.. لذا، فمجرد اختيارك لأية قصة، يحتم على العقلاء جميعاً وبالضرورة، نبذها قبل قراءتها.

قال عارف: يا سلام على الموضوعية.

قال صفوان: هذه قمة الموضوعية.. إن التعامل مع مزاجك الراقي بالمخالفة الدائمة له، هو قمة الموضوعية.. بل اسمح لي أن أقول: إن مزاجك موضوع قائم بذاته، يصلح مادة خصبة للدراسة في أرقى مشافي الأمراض العقلية.

قال عارف محتداً: ومزاجك مادة دسمة لعباقرة الطب البيطري..

قال إسماعيل: أرجو من إخواننا أن يرفعوا مستوى الحوار قليلاً.

قال عارف: وتريد أن تعلمنا كيفية الحوار يا غبي..

نظر أسعد في ساعته، وقال بصوت مرتفع، موجهاً كلامه إلى رياض، وإلى زملائه الآخرين:

أرجو المعذرة أيها الزملاء، فأنا مشغول، لدي بعض المطالعات في المكتبة.. وأرجو يا زميل رياض، عندما تتفقون فيما بينكم على تشكيل اللجنة، ضمن أية صيغة من الصيغ، أن تحضر النسخ المصورة ليدرسها أعضاء اللجنة، ويرفعوا اقتراحهم حول القصة المفضلة إلى لجنة التحكيم، عسى أن تستفيد من إجماعكم على رأي ما، في صياغة قرارها الأخير.