حكاية الموساد

حكاية الموساد

سعيد بوكرامي

تنتشر الإنارة الصفراء الشاحبة داخل المكتب القديم حيث يجلس الموظف، يحشر رأسه داخل جريدة، يقلب الصفحات بسرعة كأنه يبحث عن صفحة بعينها، عندما يستغرق داخلها، يتمطط متعجباً، أو ينفخ متنهداً، أو يتقلص متحسراً.

تدخل الموظفة، تجلس محطمة تلقي كيساً بلاستيكياً بين رجليها وتبادره بالسؤال:

- سأل عني أحد؟

ينتبه لحضورها، يطلق سراح الجريدة، ويقول معاتباً:

- قولي أولاً صباح الخير.

- ربما قلتها وأنت لم ترد.

- عذراً لم أسمعك، كنت أقرأ مقالة عن الموساد، الذي يعمل على تدمير العرب، حيثما وجدوا، وبشتى الوسائل، تخيلي يجند العرب ليدمّروا أنفسهم بأنفسهم.

- هل سأل عني أحد؟

- لا لم يسأل عنك أحد.

تتأفف، تخرج من الكيس البلاستيكي طرموس القهوة ولفافة سندويتشات، تصب لنفسها وتأخذ في التهام اللفافة تلو اللفافة وبصوت مسموع:

- المواصلات تدوخ في هذه المدينة الملعونة.

- معك حق، الجحيم بعينه.

يغير الموظف الموضوع:

- كيف حال زوجك؟

- ما زال في الجنوب.

يبتسم الموظف بخبث:

- متى ستنجبون أطفالاً؟

- حتى تنجب أنت.

- أنا لا أستطيع، لأني حسمت الأمر منذ البداية.

تفتح نافذة في السقف، فيخفيان ما كان موضوعاً أمامهما تحت مكتبهما، تنزل سلة كبيرة مصنوعة من الدوم، تتدلى متأرجحة وتستقر فوق أرضية المكتب وبالضبط فوق مركز الغرفة أي بين المكتبين والموظفين، يسحب الموظف السلة ويضع بداخلها مجموعة من الملفات ويصيح في اتجاه السقف:

- ملفات الأمس، اسحب.

تسحب السلة وتقفل النافذة.

تراقب الموظفة ما يحدث وبحركات متكاسلة من رأسها تسأل:

- من يا ترى يتسلم هذه الملفات؟

ينظر إليها الموظف الذي عاد مرة أخرى إلى جريدته قائلاً بلا اهتمام:

- لا أدري، المهم أنها تصل.

- وما أدراك أنها تصل؟

- لا يعنينا هذا الأمر، المهم أننا نقوم بعملنا.

- أي عمل؟ هل تمزح؟

- لا أمزح هذا هو عملنا ونحن نقوم به، نحضر في الوقت ولا نتغيب ولا نمرض ولا نشتكي ولا..

- أنا شخصياً مللت.

- اسكتي قد يسمعك أحد، وأنت لم تسخّني بعد مقعدك، احمدي الله أنك وجدت هذه الوظيفة.

- ماذا تقول؟ أنا درست الأنثربولوجيا وحصلت على دكتوراه لكي أضبط ملفات لا أعرف من أصحابها ولا إلى أين تذهب.

قاطعها الموظف منفعلاً:

- سمعت هذا الشريط ألف مرة، وأنا درست الكمبيوتر حتى عرفت من أين يتبول ومع ذلك لا أشتغل عليه، فقط على أوراق متآكلة وكأنها لموتى.

تفتح نافذة السقف فيصمتان ويخبئان ما هو مريب فوق مكتبيهما، تنزل السلة متأرجحة وتستقر فوق مركز الغرفة أي بين المكتبين والموظفين، تنهض الموظفة، تسحب الملفات الجديدة، تسمع صوتاً من فوق يقول:

- أفرغي، هذه ملفات اليوم، اعملا بجد فإنا نراقب أعمالكما.

تقفل النافذة، ينظران إلى بعضهما البعض بارتياب ثم تبدأ في تسديد لكمات الاتهام.

- تجر لساني لكي أقع في المحظور، اعترف إن كنت رجلاً، أعرف أني منذ تعييني في المكتب وأنت تتربص بي، قل أيها الجاسوس.

يتجاهلها الموظف مبتسماً، ويحشر رأسه من جديد داخل التحقيق عن الموساد.