سباق مع العقارب
إيمان شراب
كل يوم أسابق العقارب : عقرب الساعة والدقائق والثواني ....
أسابقها في الصباح وأنا غادية إلى عملي ، فتسبق هي !
وأسابقها وأنا عائدة من العمل ، فتسبق ! وأسابقها وأنا أعد طعاما– دون نكهة غالبا - ، فتسبق ! وأسابقها وأنا أدرس أبنائي في عصبية وتوتر ، فتسبق أيضا !! وأسابقها وأنا أضع جثتي – أقصد بدني – على السرير لأنام ، فأفوز أنا هذه المرة !!!
وتمضي أيام وأعوام ، والسباق يتكرر ! شيء عجيب ! أحيانا أراني غبية ، لأنني كل يوم أكرر نفس السباق وفي نفس الميدان ، بل وفي نفس الزمان!!
رعدة برد شديدة أيقظتني في ذلك اليوم الذي أحبه كثيرا ..أردت أن آتي بما يدفئني ، أشعلت الضوء ، فرأيتني في المرآة !
يا إلهي ! ما هذا المنظر ؟ الشعر منكوش ، والوجه أزرق ، والبشرة جافة ، والشيب أكثر مما كنت أظن ! منذ متى وأنا بهذا المنظر ؟
قلت أهوّن : لا بأس يا ميسون ، إنه الإرهاق الشديد الذي تعرضت له الفترة الماضية .
يا إلهي و كم كانت الفترة الماضية ! إنها عشرون عاما !! كم بقي وينتهي عمري وأموت!
أموت؟ ؟1 مخيف هو الموت ! ماذا فعلت استعدادا للموت ؟! لا شيء !
فأنا في غاية التبرج ، لا أصلي ولا أعرف أين هي القبلة حتى! لا أقرأ قرآنا ولا غير القرآن! ليست لي اهتمامات تقربني من الله ! حتى متى ؟ .
استيقظ زوجي فزعا على صوت نحيبي .
* بسم الله الرحمن الرحيم !! ماذا تفعلين ؟ لماذا تبكين ؟
قلت : نعم صدقت ، هو رحمن رحيم ، ولكنه شديد العقاب ..
أنا خائفة ! سأموت ! سأوضع في القبر ، سأكون وحدي في ظلام شديد مخيف جدا !!
* ما هذ الهذيان ؟
قلت أتوسل : أرجوك يا عدنان ، أريد أن أذهب للحج ..
ضحك ملء فمه مستغربا ، ووسط ذلك قال :
*أنت؟ ميسون تحج ؟ منذ متى هذا التدين؟ ثم إن التسجيل للحج قد فات أوانه ! قومي لتنامي ودعي عنك الأحلام يا امرأة !
في اليوم التالي مباشرة ، دخل عليّ زوجي ليخبرني أنه تقدم بطلبين للحج !!
من صاحب الطلب الثاني؟ وخمنت كل أسماء القريبين والبعيدين ، وعجزت أن أعرف لأنه كان أبعد ما يكون: زوجي!! وهو الغارق في اللهو غير المباح ثم المباح!
في مدينتنا ، وفي القاعة المخصصة ، تجمع الناس لإجراء القرعة . كنت أجلس بينهم متوترة ، ومتأكدة أن اسمي لن يكون بينهم ، فهل أنا شديدة العصيان ، سيكرمني الله ويمنحني هذه المنحة العظيمة ؟
خلت القاعة من السعداء الفائزين ، تمنيت أن يقوم بمعانقتي أحد لتهنئتي ، تمنيت أن يزغرد من أجلي أحد كالباقين !! تأثر زوجي لحزني- وقلما يفعل -وخانته كلمات التعزية ، ولن يستطيع ! .
خرجت كالمطرودة !
ميسون عبدالله ...ميسون عبد الله ! أين هي ؟ غير موجودة ؟
* إنه اسمك ياميسون ، اسمعي ! لنعد ونتأكد ، هيا بسرعة!
وقفت أمام المنادي مذهولة، خائفة ، متلهفة ، راجية :
أنا هي ميسون عبدالله ! هل فزت بالحج ؟احلف لأصدق !! أين هو اسمي ؟ أريد أن أراه ! وزوجي ؟ هل سيكون معي ؟..........
رأيت الكعبة المهيبة ، فتذكرت سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل – عليهما السلام - ، وتذكرت نبينا العظيم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ...
طفت وسعيت وصليت ودعوت الله ورجوته ..
بكيت في عرفات طويلا ، طالبة العفو والرحمة والثبات ...
تأملت الناس وتعجبت : كيف يكون المسلمون بهذه الأعداد الهائلة الرهيبة ، وفلسطين لا تزال محتلة ؟!
كيف لنا أن نملك هذه الطاقات من الشباب ، ونكون الأضعف ؟!
ما أجمل الكعبة! وما أجمل الحرم ! وما أجمل الصلاة وأعذبها ! وما أجملني بالحجاب! بل ما أجمل العالم كله !!
في طائرة العودة، شد على يدي زوجي ، فشعرت بحرارتها - وقد كانت باردة زمنا طويلا - .
نظرت إليه مبتسمة راضية : أتدري ؟ كيوم زفافنا .
قال : نعم ، أنا سعيد بك كيوم زفافنا .
ملأني الطمع ، فقلت : هل نحج العام القادم ؟
قال : حججت فضولا وطمعا في لقب الحاج ، ولكنني أحببت الحج وأحببت الدين والصلاة والدعاء ...بل أحببت وزني الجديد والرشاقة .
ابتسمت وغرزت أ صبعي في ( كرشه ) ، وقلت : وهذا ؟
قال : ذنوب كثيرة حطها الله عني ، وإني لأرجو أن يكون قد حطها كلها ، لهذا أشعر بالرشاقة !
أعجبني ما قال و...
قال : لا تكرري السؤال ، سنحج العام القادم إن شاء الله.
إيه ! سأظل في سباق مع العقارب ، ولكن لأفوز بحج آخر هذه المرة .