مفارقة
سامي العباس
ليسا من العامة، فكل منهما يحمل لقب دكتور.. هي في جامعة تشرين باللاذقية، وهو في مركز البحوث العلمي. وليسا مسنين، فهما في منتصف الأربعينات، ولم يتزوجا بالطريقة التقليدية، بل عن حب، وعلى مضض من الأهل وهما لا ينتميان إلى مذهب ديني واحد، فكل منهما من مذهب ولا إلى تجربة سياسية واحدة فكل منهما من حزب.
إلا أن الهم العام يحتل من وجدانهما حيزاً متقارباً.
لم يرزقا بأولاد. ولم يبحثا عمن منهما السبب بل يتعاملان مع هذه المشكلة كما يتعاملان مع حقل ألغام، الابتعاد عنه هو الأسلم. رغم ذلك فحياتهما اليومية تجري متسللة تسلل الخائف من شيء ما.
هي تجري بهدوء فعلاً، ولكنه الهدوء المشحون. الهدوء الذي يحمل على ظهره حزمة من المتفجرات. ولذ فإن الصمت المتبادل هو لغة الحوار المهيمنة على بيت خال من شغب الأطفال ومن هموم الضرورة، وحتى من الخلاف في وجهات النظر.
كنت وصديق مشترك في ضيافتهم. وقد كان المشهد معبراً. حاول الصديق المشترك إطلاق بعض المفرقعات. فبحكم صداقته المديدة لهما، كان مطلعاً على نحو ما على السراط الذي تعبره حياتهما الزوجية منذ تبدد أمل كل منهما على حدة في قدوم الأولاد.
بدأ الصديق المشترك الحديث عن الحب. ثم وصل إلى الزواج. كيف تعَّرف بزوجته.
عزوبته المديدة.حفلة العرس الموجزة. سألني سؤالاً جانبياً عن زواجي ولم ينتظر حتى أفتح فمي، بل أدار الحديث باتجاه الزوجة المضيفة. كان واضحاً أن الصديق ينقر على باب محدد، هو بالضبط الباب المغلق بين عالمي الزوجين. وكان واضحاً أيضاً أن حسن النية يمازج قليلاً الفضول. فالمغلفات التي تحتفظ داخلها الحياة الزوجية بأسرارها تثير عند معظم الناس الشهية لفضها .إلا أن غير الواضح هي الحدود الفاصلة بين حسن النية وبين الفضول. رغم ذلك فقد تم جر الزوجين إلى اللعبة. في البداية مدت الزوجة قدمها. وبعد ذلك تشجع الزوج. وتداعت الذكريات.
اللقاء الأول في مقر العمل، حيث لا شيء يشير إلى مجريات الأحداث لاحقاً.وتحت إلحاح صديقي، اعترفت الزوجة بأنها قد انتبهت بعد تكرار الزيارات إلى أنها المعنية بها. أما الزوج فقد اعترف بأنه ذهب إلى اللقاء الأول بهدف الاستكشاف وبعد ذلك انهالت الذكريات، وتدفقت من لسانيهما بعفوية وبقليل من التأني.
لا بل أن أحدهما كان لا ينتظر الآخر حتى يكمل عبارته. وبشكل ما فقد اندفع كل منهما نحو الآخر تحت ضغط الذكريات المشتركة وغير المشتركة. وتحت ضغط المشاعر التي تكونت طيلة ذلك الوقت على حده أو بالتناغم مع بعضهما البعض. وتوردت خدود الزوجة. واحمرت رقبة الزوج تحت ياقة ثوبه المنزلي. وركض الدم تحت بشرة الزوجة التي شحبت بفعل الوقت والتفكير الأحادي والسفر المديد كل أسبوع إلى مقر العمل في اللاذقية. أما الزوج الذي قفز حاجز الحرج فقد بدا أكثر حيوية ونضارة من أستاذ حشره منصبه في فترينة خاصة للمحنطات.
بعد ذلك وفي طريق العودة إلى البيت. قلت لصديقي سيشكرك الزوجان كثيراً على الذي فغلته بشأنهما. قالَ صديقي بنبرة مشحونة بالأسى: على ماذا يا صديقي كل ما قلته كان للتنفيس عن كربي. فأنا وزوجتي منذ شهر لم نتبادل كلمة واحدة...