وميض أزرق بارد

وميض أزرق بارد

نعيم الغول

[email protected]

كل حواسه تركزت على باب الزنزانة الحديدي الضخم. حين سمع صوت المفتاح يدور في القفل "طق.. طق.. طق"، وأخذت دقات قلبه تتسارع وقفز قلبه من بين ضلوعه حتى سد أنفه. وتوالت أنفاسه، وتصبب عرقاً. بدا أنه  يعرف ماذا يعني أن يفتح باب  الزنزانة في الواحدة بعد منتصف الليل. إذ تراجع بسرعة  إلى أقصى الزنزانة في الزاوية. لكن يده اصطدمت بسطل وضع ليتبول به. فسال البول على الأرض، فابتلت يداه وظهره به ..

التصق بالحائط وترقب.

فتح الباب وأطل منه جندي يتدلى من رقبته سلسال تتشبث في وسطه نجمة سداسية، نظر ملياً داخل الزنزانة. وبدا وكأنه يبحث في الظلام عن شيء ما. قال :

-"أين أنت يا "خبيبي" ؟ آه، أنت هناك؟ تعال، تعال."

لكن الشاب ظل قابعا في اخر الزنزانة و قد تقلصت عضلات وجهه .. بدا و كأنه يتوقع أمرا تكرر حدوثه .

تقدم  الجندي من الشاب، وشد شعره ونظر في وجهه، قال بصوت تشحم بالعطف:

"يا الهي، وجهك شاحب، هزيل، لا بد أنك جائع. اللعنة.. ملعون أنا كيف لم  أطعمك؟" وشد شعر الشاب بقوة أكثر، ورفع رأسه إليه، ابتسم كان الحنان يعوم على شفتي  الجندي  ولكنه زمهما فجأة، ورفع قبضته وأهوى بها على وجه  سجينه، رفعها مرة أخرى وأهوى بها على عين السجين ، وقف بكل ما أوتي من قوة دفع بمقدمة حذائه في بطن الشاب .. كانت النجمة  و السلسال يتراقصان و قد تدليا من  رقبته  كبندول ساعة مجنونة  تعبر عن زمن موتور.. وفتح فمه ليضحك فخرج بدلاً من الضحكة صوت   أفعى تفح .و حرك الجندي  رقبته يمينا و يسارا مصدرا منها صوت طقطقة  و دفع بكتفيه الى الأمام ثم الى الوراء بحركة سريعة خاطفة كتلك التي يقوم بها الرباعون و نظر من بين حاجبيه الى السجين  الذي كان يتلوى بصمت. وعاد إلى الباب وضرب الأرض بقدمه تحية للرجل الواقف هناك وقال :"إنه مستعد يا سيدي."

نظر الرجل إلى الشاب المتكوم على البول في الزاوية وانطلقت من فمه ضحكة مدوية ثم سأل:" هل تناول طعامه؟"  أجاب الجندي:" لا يا سيدي!" فصرخ فيه :"هات طعامه وهات الكلب!"

كان الشاب  ملقى على وجهه والدم يسيل من فمه لكنه حين سمع بالكلب انتفض، لاحظ الرجل حركة الخوف التي بدرت من السجين .. فالتصقت بشفتيه ابتسامة و أشار للجندي بالانصراف وتقدم من الشاب مد قدمه وأخذ يضربه في ظهره يميناً ويساراً. فانتفض هذا وأدار ظهره للجدار مواجهاً الرجل .

همس الرجل  من بين أسنانه  و قد بدا انه يود لو يعض الشاب : "لم تتكلم بعد .. تظن ان لحيتك  هذه تعطيك ميزة عند الله  فتقول اصبر و الله معي .. الله معك هاه  سنرى كيف يكون معك .. لا زلت صامتا .. تظن ان صمتك ينجي  المخربين الاخرين ..لا بأس .. أنا لا أريدك ان تتكلم .. لا حاجة لنا بكلامك .. اصمت كما تشاء ..و احم المجرمين الاخرين .. سنصطادهم و نقتلهم  كما نقتل الحيوانات المتوحشة .. لسانك معقود .. اعقده كما تشاء ..  أريد فقط ان امضي أمسية ممتعة معك ."  ثم  نظر حوله فرأى البول على الأرض فغمس حذاءه فيه وحين ابتل تقدم من الشاب المنهك ووضع مقدمة حذائه على فمه وضغط ثم أخذ يسحق شفتيه. ضحك ضحكة مبحوحة و صرخ : "ستكون تسلية لم تحدث حتى في حجرات الغاز التي نحدث العالم عنها." وحين مد السجين يده يمسح خيط الدم المختلط بآثار البول    قفزت ضحكة مدوية من فم الرجل  الذي   استطرد قائلا : " يقولون انك منذ شرفتنا هنا لم يسمعوك تقول آه!" هل تخشى العار ان قلت آه او بحت بشيء ؟!  و من سيعرف ؟1  و ركله في خاصرته و تابع :" لم تقل حتى  و لا آخ " و وضع حذاءه على رقبته و هتف بتشنج :" و لا آي و لا اوو .. "و ركله في مؤخرته :"  أريد ان أسمعك تقول أي شيء . تطلب أي شيء .. .. الليلة .. الليلة .. وعدت نفسي ان اسمع الآخ و الآه و الاوو و الآي .. لا شيء غير ذلك ."

و استدار حين دخل الجندي حاملاً بين يديه صحناً كبيراً. وضعه في وسط الزنزانة، وغاب قليلاً ثم عاد يجر وراءه كلباً ضخماً، نظر الشاب الى الكلب فسرى تيار عصبي لاذع من عينيه إلى مؤخرة دماغه. فانسحب إلى آخر الزنزانة .مد الجندي يده في قاع الصحن واخرج قطعة اللحم الوحيدة الموجودة فيه. وتقدم من الشاب وامسك بساقه ومسحها بقطعة من اللحم ثم امسك بالكلب وجره إلى حيث قبع الشاب وقرب وجه الكلب من ساق الشاب، فأخذ يشمها، ويلعقها، تلوى السجين في مكانه، وجحظت عيناه والتصق بالحائط وضع الجندي قدمه تحت أذن الشاب، ودفع رأسه باتجاه الحائط وضغط صرت أسنان السجين ثم أطلق صوتاً حاداً رفيعاً كصوت جرذ مسحوق .

كانت قطعة اللحم ما تزال في يد الجندي نظر الكلب إليها ونبح، تحرك الرجل وأمسك بالكلب وجره للخلف. وضع الجندي قطعة اللحم في الصحن ثم جر الشاب من شعره وأدنى رأسه في الصحن وأمره قائلاً كلها يا ابن ابتسم الرجل و قال " كلها او .. قلها ".. لكن الشاب لم يقل شيئا ..  لكنه بدلا من ذلك نجح في تمرير ابتسامة افرغ فيها ما يستطيع من تحد.

 امسك الجندي  بيدي الشاب وثناهما خلف ظهره وضغط على رأسه في قاع الصحن وتناول القطعة ودفعها في فم الشاب عند ذلك افلت الرجل الكلب فألقى  هذا بنفسه على الشاب وفتح فمه ليخطف القطعة، فأزاح الشاب وجهه، أطبق الكلب فكيه على خده. سال الدم من خده، نظر الكلب برهة .. وحين رأى الدم وشم رائحته، استشاط نشوة، فرفع رأسه ونبح نباحاً طويلا عميقاً وهجم على الشاب فتراجع هذا بسرعة، فقفز الكلب عليه وعضه من كتفه، انسحب الجندي إلى الباب. وأخذ يفرك يديه، ونظر إلى الرجل فوجده يضغط على شفتيه  و قد اتسعت عيناه و التمع في زرقتهما برق بارد .

ضرب الشاب  الكلب بالسطل، ترنح الكلب وتراجع ثم هجم عليه فأزاح الشاب جسمه، فاصطدم الكلب بالجدار، فاعتلاه الشاب وأمسك بعنقه وشد عليها وظل يضغط حتى أحس بجسم الكلب يتراخى بين يديه. عند ذلك خرجت الضحكة المدوية من الرجل وصرخ في الجندي.

-         "خمسة، ائت بخمسة.. الأمسية تزداد تشويقا!"

-   ركض الجندي خارجاً وعاد ومعه جنود يجرون خمسة كلاب داخل الزنزانة . و تركوها وذهبوا ،  ثم خرج الجندي و أطبق باب الزنزانة خلفه .وبقى الرجل  في الداخل إلى جانب الباب, اشتمت الكلاب رائحة الدم فنبحت بجنون وقفز أقوى الكلاب على وجه الشاب وعضه من وجنته. فسقط هذا فتكومت باقي الكلاب فوقه وأخذت تنهش في  جسمه. تراقص اللمعان البارد  في عيني الرجل  وأخذ يقفز إلى جانب الباب ويضرب قدميه في الأرض ويشد شعره ويضحك ثم أخذ يدق الحائط بيديه وقدميه ويضحك ضحكاً صاخباً..  حتى الفهفهة ..  ثم أخذ ضحكه يتقطع، صمت لحظة.. رأى الكلاب تواصل نهشها للشاب. كان هذا يغطي وجهه وعينيه بيديه ويقاوم برجليه أصاب كلبا في بطنه فابتعد هذا وهو ينبح بألم فابتعدت الكلاب عنه قليلاً.

 تراجع إلى الزاوية القريبة من الباب ونظر إلى الرجل، تلاقت عيناهما، سقط ثم وقف مرة أخرى، كانت الكلاب تتشمم الكلب الميت. انتفض الشاب.. اهتز جسده مسح الدم عن فمه ونظر إلى الرجل. انتصبت في رأسه فكرة، فتوترت يداه  هجم على الرجل و اطبق على عنقه .. ركله هذا  في بطنه لكنه  لم يبتعد بل زادت يداه إطباقا ..صرخ الرجل :" النجدة انه يقتلني" وسقط سقط الآخر فوقه، هجمت الكلاب.

وأخذت تنهش لحمه دخل الجنود، كان الرجل يضرب رأس الشاب وظهره ضربات يائسة بكلتا يديه، شدد الشاب الضغط على عنقه ورمى جسده على رأسه.. هجم كلب على عنق الشاب.. نهشها رفع الجنود أسلحتهم وأطلقوا النار على رأسه، انتزع الكلب قطعة من لحم الرقبة.

 وحين ارتمى الشاب ميتاً فوق رأس الرجل كانت الارتعاشات من جسد هذا تتضاءل حتى اختفت.