وفاء الروح

وفاء الروح

قصة: يسري الغول

[email protected]

سأموت

يخنقني ذلك الإحساس المبهم بالموت ، يلتهم سكوني ، يحطمني ، يزلزلني حتى أغفو على ترانيمه ، أنام احلم به ، أراه يصرعني ، يفجرني ، يراودني كثقب يفجر سفينة الروح .

سأموت ……

يقشعر بدني من هول الكلمة ، تصطك أسناني ، تطرأ تلك الفكرة الآثمة في غفلة من هذياني ، استيقظ على شذاها " نعم سأموت " ، أدرك ذلك منذ صبيحة ولادتي ، " ستموتين يا وفاء كما مات أخويك من قبل " و أبكي ، دمعاً يتفطر من قلبي ، أحاول أن أحلم بأمل لن يتحقق ، لكن دموعي تفسد على خلوتي ، تنهمر كسيل مر في شارعنا أعوام الجدب ، تتساقط كما المطر الذي لا أريده أن يغيب عني

سأموت

أكاد أختنق ، ماذا أفعل ؟ " يا الهي ألهمني أي شيء ، لا أحتمل " وخزات تلدغني ، أحترق حين ابتلع صمتي ، اصرخ و لا أحد يسمعني ، أنادى في الهواء حنقي ، اهتف بالمارة الذين لا يرونني ، و أصمت " لماذا أصمت ؟ " أدندن لنفسي " لن أصمت بعد الآن ، أحدق بالمرآة ، وجهي شاحب تعلوه صفرة غريبة ، معدتي تؤلمني ، جسدي ينحل و أنا اردد الكلمة منذ طفولتي " ثلاسيميا " أقولها و أضحك ، أتنشق رعبها ، " كيف لم افهم ؟ " و أضحك ، تلفحني الذكرى التي باتت معي كظلي ، لم أكن مثل صديقاتي أبداً ، أدركت ذلك حين كنت أتألم للحقن التي لم تتركني قط ، مات أخواي دون أن افهم ، و أنا الآن أعلم أنها ثلاسيميا الموت ، كانت تنعتني صديقاتي بفتاة الثلاسيميا فأضحك ،و حين أعود الى غرفتي أبكي دماً ، يتخضب وجهي بدماء قلبي فأواسيني " هناك كثيرات مثلك أيتها المجنونة " أتأمل وجهي مرة أخرى ، " هل سأموت هذا المساء ؟ " و من في الخارج يهرعون تجاهي ، " كيف لهم أن يسمعوني الآن ؟" أبتسم بحنق ، " أنا لم أدعو أحداً " و أقفل الباب ، لن اجعله موارباً ككل مرة ، سئمت مواساتهم لي ، سأكتفي اليوم بكتابة وصيتي ، سأخبرهم بأحلامي التي تمنيتها ، همومي ، بتلك " الثلاسيميا " الساقطة التي أفسدت عليّ دنياي ، أمسك بالقلم ، أقتلع الورقة كشجرة تتشبث بالأرض ، أكتب ...

أمي الغالية ..

أنا ابنتك التي جاءت في زمن انكساركم ، و ……

يخونني قلبي ، يدي ، ارتجف ، أبكي ، لست أعرف ما أريد ، تمتلئ الصفحة قطرات حب خرجت دون وعي مني ، أعود مرة أخرى إلى عالمي ، لن احلم ، سأتم تلك الحقيقة ..

أمي الغالية ..

يعلم الله كم احبك و أبي ، أحبكم جميعاً ، ها أنا سألحق بأخوي عدنان و رامي ، هذا ما دعاني لأن أضع لك تذكاراً في عيد زواجك الحبيب ، يمكنك اعتبارها ذكرى لأنها ستدق قلبك حين نسافر بعيداً ، أمي الـ.. أنا أريد أن أقول .. أنني سأشتاق إليكم ، لن تغيب صوركم عني هناك ، عزائي هو أنني سألتقي بعدنان الذي لم أنسى هداياه فأنا لا زلت أحتفظ بها ، و رامي الصغير المدلل ، سأسلم عليهم ، و أحتضنهم ، سأقبل أيديهم ، و……

آه ، معدتي تؤلمني ، ساقاي ترتجفان ، رأسي سينفجر ، أبول على نفسي ، أصرخ ، أصرخ ، و قبل أن أسقط في وحل موتي أكون قد احتويتهم جميعاً .