الرهينة
الرهينة
|
بقلم : نعيم الغول |
غرفة واحدة جمعتنا؛ أربعة رهائن وثلاثة خاطفين. هكذا كنا . أربعة مقابل ثلاثة . لكن الأربعة كانوا مقيدين.
أيديهم مشدودة إلى ظهورهم .مكممين وجالسين على الأرض .
الثلاثة الباقون كانوا يحملون بنادق آلية ، وتتدلى من أحزمتهم قنابل يدوية.
كانوا أيضا مكممين .. اقصد ملثمين.
خرج ثلاثتهم من الغرفة حين أشار أحدهم إلى الاثنين الآخرين برأسه ليتبعاه. سمعنا وقع أقدامهم وأصوات أكواب توضع على الطاولة . هم إذن في المطبخ يعدون شيئا ما. ارتفع صوت أحدهم:
- " اليوم تنتهي المهلة المحددة. ماذا نفعل ؟ هل نمددها أم نبدأ بتنفيذ ما هددنا به؟
سال أحدهم بصوت أجش بدا انه في العقد الرابع من العمر:
-" ما ردود الفعل ؟"
- " حتى الآن تصريحات برفض التفاوض على أي شيء، وطلب إطلاق سراحهم على الفور وتسليم أنفسنا."
- " أين سمعت كل هذا؟"
- " في المذياع في السيارة حين ذهبت لإحضار المؤن؟"
- " هل رآك أحد؟"
- " لا. نحن في مكان مأهول ولا ينتبه أي شخص لأي شخص آخر. أليس هذا ما خططنا له. مكان لا يشعر أي شخص بوجود الآخرين فيه؟"
- " ماذا قالوا أيضا؟"
- يحملوننا مسؤولية الرهائن ويطالبون بتسليم أنفسنا".
- "سمعت هذا الهراء. نسلم أنفسنا. لنعذب ثم لنشق أو نرمى بالرصاص أو نجلس على كرسي كهربائي؟"
- "اليوم تنتهي المهلة التي حددناها لهم ، ماذا نفعل. هل نبدأ بقتلهم؟"
- " نرسل إنذارا ثانيا مدته ساعتان . المهلة الأولي تنتهي الساعة الثانية عشرة . ستنتهي المهلة الثانية بعد الظهر. الثانية ودقيقة نقتل رهينة واحدة ثم ننذرهم مرة ثالثة ؟"
- " ثم ماذا؟"
- " ماذا تعني ؟ سيوافقون بالطبع على كل مطالبنا حين يعرفون أننا جادون وسنطلق سراح البقية حسب الخطة لتامين الهرب."
- " ماذا لو لم يوافقوا؟"
- " نفكر في تدبير ما . معنا وقت كثير لذلك. هل نضيعه بالأسئلة الحمقاء؟ سيوافقون. لقد درسنا الأمر بعناية . هل نسيت لم اخترنا الرهائن عائلة مكونة من امرأة عجوز ورجل مريض وزوجته وطفلهما. آلم يكن اقتراحك بان نخطف من لا يستطيع المقاومة كي يشعر الجميع بالإشفاق عليهم ويضغط الرأي العام من اجل تلبية مطالبنا؟"
- " نعم ولكننا لم نتفق على القتل . انه مجرد ضغط لتحقيق مطالبنا."
- " لن تتحقق مطالبنا دون تضحية. نحن لا نسعى لأهداف رخيصة . مبادئنا سامية. أفكارنا تخدم الناس . ولكن مصالحهم هناك تحول دون ذلك . هل تظن أننا اخترنا هذا الطريق ؟ نحن مجبرون على ذلك. حين سدوا كل الطرق وتركوا هذه الطريق وهم يعرفون أننا سنسير مفتوحي الأعين أو مغمضيها. ألا يعني هذا انهم يدفعوننا دفعا إليها؟"
قال أحدهم بصوت يخرج من أنفه:
- "نقتل واحدا فقط"
كانت الساعة على الجدار تشير إلى الثانية عشرة . جاءوا من المطبخ وفي أيديهم أكواب . نزعوا الكمامات عن أفواهنا، وساعدونا على شرب الشاي.اعتذرت أنا لأسباب صحية خاصة . هذا ما قلته للخاطف الذي وضع الكوب عند فمي.. لكني في الحقيقة لم اكن اشعر برغبة في قبول شيء منهم غير تركنا نمضي . رأيت التكشيرة على جبينه. زوجتي شربت وكذلك فعلت أمي. طفلي رفض. وطلب حليبا. ضحك "خاطفه" وذهب إلى المطبخ وعاد بكوب حليب.
سألني خاطفي: "بم أنت مريض ؟"
قلت بشجاعة :" بما انك تعرف أنني مريض فلا بد انك تعرف نوع مرضي."
قام وقد ازداد حاجباه تقطيبا :" أنا اعرف فقط أنكم تتردون على المستشفى منذ فترة طويلة. لقد راقبناكم طويلا. لم يكن نوع المرض مهما."
قلت باستخفاف: " لماذا هو مهم الآن"
صمت قليلا ثم أجاب :" ليس مهما الآن. الساعة الثانية عشرة . سأتصل لأعرف ردهم."
التقط الهاتف النقال عن الطاولة. وضغط على عدد من الأزرار.
" ألو. نحن مجموعة "كتائب الحرية" . انتهت المهلة . وسنبدأ الآن بقتل الرهائن . لا لن اسمع المزيد من هذا التسويف. لا تخيفنا تهديداتكم. حسنا .. حسنا .. سأمهلكم حتى الثانية."
اغلق الجهاز. كان وجهه قد تحول إلى " ليمونة صفراء" وصرخ :" كلاب ، لا يريدون إطلاق سراح اخوتنا إلا بعد التحدث مع الرهائن. اعتقلوا اخوتنا ظلما وبدلا من أن نشترط نحن يشترطون هم. أليست هذه عنجهية السلطة المستبدة؟"
قال الخاطف الذي قدم الحليب لطفلي:" لم لا نسمح لهم بالكلام معهم؟"
قال الخاطف الغاضب:" إنها مماطلة . أنا افهم شيئا واحدا تحقيق مطالبنا أو قتل الرهائن. هذا ما يجب أن يفهموه أيضا."
قال الثالث من أنفه:" نقتل رهينة واحدة فقط ،وسيسارعون إلى القبول."
قال الذي قدم الحليب لطفلي :" ننتظر حتى الثانية. ولكن لندعهم يتكلمون مع أحدهم . دعهم يكلمون الطفل. هذا سيشعرهم بالشفقة عليه، وعلى الآخرين. تذكروا لم يكن القتل واردا"
نظر الخاطف الغاضب إلى الثالث ،فأومأ موافقا . امسك بالهاتف النقال . ضغط على بعض الأزرار وقال :" ستتحدثون إلى أحدهم. قربه من فم زوجتي بعدما أماط الكمامة عنه.شهقت باكية، ورجت المتحدث بان ينقذنا. قلت للخاطف الذي قدم الحليب لطفلي :" دعوني أكلمهم . سأقنعهم . ويخرجون رفاقكم وتفرجون عنا. حكومتنا تقدر قيمة حياة الإنسان . لن يهون عليهم قتل امرأتين وطفل بعد كل ما نسمعه عن المرأة والطفل." لم اكن ساخرا. كنت جادا وكلماتي تفيض حرارة وتضرعا.
حول عينيه باستعطاف إلى الخاطف الغاضب. فوضع الهاتف عند فمي . سمعت صوتا يقول :
" تحدثي إلي . هل تعرفين أين انتم ."
قلت بأمل:" أنا معك يا سيدي . أنا زوجها. "
قال بسرعة:" ما عدد الخاطفين؟"
قلت مسترحما:" سيدي أرجوك نفذوا طلباتهم . انهم يهددون بقتلنا أظنهم جادين."
قال بثقة :" لا ليسوا جادين . كل الخاطفين يهددون ثم يستسلمون."
قلت مستعطفا:" أرجوك سيدي انهم جادون. نفذوا طلباتهم و إلا قتلونا وقد يكون طفلي أو العجوز والدتي أول الضحايا."
قال جازما:" لا تخف . لن يفعلوا شيئا . سنظل نماطلهم حتى نحرركم. سياستنا ألا نستسلم للخاطفين."
قلت بضعف:"سيدي سيقتلوننا."
قال بقوة:" لن يفعلوا. قل لي فقط أين انتم ؟ ما عددهم؟ ما نوع أسلحتهم .."
أبعد الخاطف الغاضب الهاتف عني. سألت نفسي إن كان كلانا يتحدث باللغة نفسها. اقفل الهاتف . ونظر إلى الساعة المعلقة على الحائط. نظرنا جميعا إليها. كانت تركض نحو الواحدة والنصف بعد الظهر. قال الخاطف الغاضب:" لن يحققوا مطالبنا إلا إذا قتلنا أحدهم."
قال الذي قدم الحليب لطفلي :" من ستقتلون أولا؟"
كان قد بدأ يقترب من طفلي حتى وقف بينه وبين الخاطفين الآخرين. قال الثالث:" نحن ثلاثة وهم أربعة . يختار كل واحد منا واحدا لا يريده أن يموت."
قال الذي قدم الحليب لطفلي :" موافق " أنا اختار الطفل."
نظر الغاضب إلي وقال :" أنا اختار الزوجة. لا أظنها بحاجة إلى رجل مريض."
قال الثالث :" أنا اختار العجوز"
بقيت أنا . تبادلنا وزوجتي وأمي العجوز وطفلي النظرات. شحنت نظراتي بما أستطيع من حب ومشاعر الوداع. تلقفت نظراتهم المشبعة بالتعلق. صرخت زوجتي . اقتلوني أنا .أبقوا عليهم هم.
صرخت أمي العجوز : "بل أنا . أنا على حافة قبري .أنا أحق منهم بالموت."
قلت لها :" أمي ، لا أحد أحق من أحد بالموت."
قال الخاطف وهو ينظر إلي والى ساعة الحائط:" اتفقنا وانتهى الأمر. ولكن أريدكم أن تعلموا أن لا شيء بينا وبينكم. نحن لنا مطالب عادلة وقد رفضوا تلبيتها. ويبدوا انهم لن يلبوها إلا إذا مات أحدكم. نحن لا نكرهكم. نحن لا نحمل ضغينة ضدكم. ولكنها مطالبنا لم تتحقق."
الساعة كانت تشير إلى الواحدة وخمسين دقيقة. عشر دقائق فقط بقي لي مع من أحب. أنا موثق الآن فلن يتاح لي أن احتضن أيا منهم مودعا.لن اشعر بدفء زوجتي .. برعشة حنان امي .. بضغطة راس ولدي على صدري حين العناق . عشر دقائق فقط بعدها لن يجد طفلي من يجلسه في حضنه ويخرج له هدية من جيبه ويراقب عينيه ووجهه ينطقان بالدهشة والفرح’ عشر دقائق وسيصير اسم زوجتي أرملة. يقلقني على أمي أمر واحد. هي قد لا تعيش طويلا ولكنها ستعيش حزينة في ما سيتبقى لها من عمر.
ولكن هل سيعيشون بعدي طويلا؟ هل سيبقون عليهم؟ ليتني أستطيع أن أموت بدلا منهم مرات ومرات حتى ينتهي هذا الكابوس.
ترى هل نلتقي معا بعد أن نموت؟ أرجو أن يشاء الله ذلك. خمس دقائق بقي لي كافية لأن انطق بالشهادتين، واستغفر الله ،وأدعو لنفسي بالرحمة.