أمام الصيوان

حسين راتب أبو نبعة

[email protected]

جامعة الملك عبد العزيز

كلية المعلمين بمحافظة جدة

قرر في شرفة منزله الجديد أن ينسج قصته أو ينتظر ولادتها و هو يحتسي فنجان قهوة في الصباح الباكر، فالكتابة لها طقوس و مواسم !فقد تعود في الأيام الماضية احتساء فنجان قهوة في الصباح وآخر قبيل الغروب ، و هذه عادة قديمة لا يعرف كيف تسللت في أعماقه و لم يعد يستطيع الفكاك منها.الفجر و الغروب ولادة و موت، انتشاء و انزواء و موت. كانت السيارات تمر سريعة فما كان بمقدوره تأمل شخوصها ليرسم خيوط قصته الجديدة.تساءل : من أين البدء و ما هي الأحداث التي قد تشكل بداية السرد.أسئلة كثيرة كانت تدور و تدور في مؤخرة رأسه.يقولون بأنه لا يمكن تحديد موعد انبثاق القصة فهي كالمولود الأول يطول انتظار مجيئه. كان صاحبنا نجمة تائهة تبحث عن مدار جديد، حاول أن يجمع شتات أفكاره و يرتبها من جديد .

ينظر من جديد نحو الشارع ، يراقب تدافع السيارات و يظل تائهاً في صحراء الكتابة يبحث عن سراب جديد!و في غمرة بحثه عن واحة يستظل تحت ظلال نخيلها ، يبزغ أمل من جديد و هو على موعد مع طقوس جديدة قبل الغروب. وضع بعض الأوراق على منضدة تخل من القهوة حيث أنه كان يتفيأ بظلال رمضانية روحانية تشكل أجواء كتابة جديدة. فهو ما يزال في أسبوع الصوم الأول و تبقى الكتابة أمامه تزهر في كل المواسم .لا بد أن الكتابة ولادة عسيرة ، فالشمس تحث الخطى نحو المغيب.الجميع يترقب ذاك المغيب سيما وان الأجواء هذا العام تكتنفها حرارة شديدة.

 بعد الانتهاء من إعداد الوجبة الرئيسية انتقل جميع من في البيت لمرحلة إعداد وجبة القطائف الشهيرة خاصة وانه اشتراها من قطائف ( أبو علي ) الشهيرة ، تزداد وتيرة العمل و صاحبنا على شرفة الانتظار و الترقب .

 صيوان(سرادق) كبير انتصب في غرة رمضان على حساب إحدى المؤسسات الخيرية على ميمنة الشارع الرئيسي المؤدي إلى الوسط التجاري يقدم وجبات إفطار مجانية بكميات وافرة ....ينتظم الناس في طوابير طويلة ممتدة قبل وقت مدفع الإفطار بنصف ساعة.المدينة امتدت و اتسعت ثراء و فقراً على حد سواء !و بعض سيارات الجرة تتوقف في الطرف المقابل .ينزل منها بعض السائقين و الركاب بسرعة من هم على موعد..الفقر يظهر على ثيابهم الرثة و ملامحهم الحزينة و اندفاعهم و إصرارهم على الانتظام في الطابور. يتوقف أحد السائقين في الجزيرة الوسطية ، يلتفت يميناً و يساراً...ساعة الصفر تقترب و الآذان على مبعدة دقائق.

 الأطفال يتسمرون أمام التلفاز يترقبون انتهاء الدرس الديني الذي يسبق رفع الآذان.تزداد سرعة السيارات ، يقترب بحذر شديد إلى الصيوان...مرت دقائق تمكن من قطع الشارع وسط منبه السيارات المتواصل، يقدم المشرفون له وجبة من أرز و لحم و صحن بلاستيكي من الحساء . يتقدم حاملاً الأطباق في يديه ، ينتظر العبور ثانية إلى حيث سيارة التاكسي...السيارات تنهب الأرض مع اقتراب الآذان ...ينظر في جميع الاتجاهات و ينطلق.....صوت فرامل سيارة عابرة يدوي في المكان ، تتوقف السيارات الأخرى و يتدافع حشد من الناس إلى حيث سيارة الإسعاف يحملون بين أيديهم جثة تنتفض كطائر جريح و على قارعة الطريق كانت هناك أطباق متناثرة.