تخلف في تخلف
عصام أبو فرحه
استدار الى الجهة الأخرى ووضع المخدة فوق رأسه مغلقا اذنيه قاطعا الطريق امام ذلك الصوت المزعج الذي قطع نومه المزعج اصلا ,,,
بدأت مسامات الصوف بتجميع ذلك الصوت , وانتظرت غفوته لتطلق ما جمعت من الصوت دفعة واحدة في اذنيه ,,
قام مصعوقا ورمى تلك المخدة المتخلفة وسار متتبعا مصدر الصوت , كلما زاد علو الصوت ادرك انه يقترب من مصدره ,
احس بالدوار وعيناه تدوران مع قطعة دائرية من الحجر الأسود ركبت فوق قطعة تماثلها , يعلوها مقبض خشبي تمسك به يد عجوز غطتها تجاعيد وبرزت منها عروق فتراها مع الخشب والحجر وكأنهم قطعة واحدة ,,
صاح بها : ما هذا يا حجة ؟؟
ما عدت تعرف ( الجاروشة ) يا ولدي ؟
اعرف ( الزفت ) انا اسأل عن هذا الصوت ,
استدار وهو يتمتم : أهي مبرمجة بحيث لا تعمل الا قبل شروق الشمس ؟؟ سمعت ذلك ولم تعي معناه , وسمعت تمتمات اخرى ,,,
لعنت ( ثقل السمع ) وصوت الجاروشة الذين وسوسا لها بانها سمعت كلمة ( متخلفة(
ابتعد عنها واتخذ جلسة قرفصاء تحت شجرة التوت بعيدا عن صوت ذلك الاختراع وغباره واضعا رأسه بين ركبتيه لعله يستطيع اكمال نومه , يكمل تمتماته محدثا نفسه : هذه العجوز لو ربطوها بشجرة التوت هذه وافزعوها لاقتلعت الشجرة من جذورها , ومع ذلك اخبروني بأنها مريضة وتريد رؤيتي قبل موتها ) اظن ان عزرائيل قد يموت قبلها )
ثلاثة ايام مرت لم يذق فيها طعاما ولا نوما , لم ير ولم يسمع الا تخلفا يتبعه تخلف , في المساء يمتلىء البيت برجال يلبسون ثيابا تجعلهم يبدون كالاشباح , يتحدثون بأحاديث رجعية عن الأرض والعرض والدين , مصطلحات بالية اكل عليها الدهر وشرب ,,
في ركن آخر من البيت نساء يتجمعن , يشبهن أي شيء الا النساء , خيام سوداء , يثرثرن بكلمات متخلفة عن طعام متخلف , هن وطعامهن لا يساوين قطعة ( همبرجر بالمايونيز )
يخلو البيت بعد اذان العشاء فيختلط الأمر ان كنت في بيت او في قن دجاج ,
في الصباح يصحو قبل أن ينام , يناديه والده لتناول (( الصبر ) , يمضي وقتا طويلا في الحديث عن هذه الفاكهة وفوائدها الجمة _ قاطعا حديثه احيانا لنزع ما علق بيديه من اشواك –
يناوله حبة صبر حمراء مقشرة , يمسكها خجلا ويلقيها خلفه بينما والده ينشغل بنزع شوكة وخزته في منطقة ما .... , ينظر بازدراء ويتمتم ( عجوز متخلف (
أخيرا انقضت الايام السبعة وغادر بلاد التخلف الى غير رجعة تاركا ابا متخلفا وأما لا تقل عنه تخلفا وأخوة له هم مشاريع تخلف واعده ,,
عشرة اعوام مرت على تلك الزيارة التي يجزم بانها الأخيرة , عاد الى امريكا حيث لا اصوات الجواريش ولا اشواك الصبار ولا شيبيهات النساء , يمضي وقته مع احدى الشقراوات في شيكاغو ,,
تدعوه شقراؤه الى سهرة مميزة في مكان مميز , الليلة ستعرفه بتراث وتاريخ ومنجزات جدودها سترافقه الى معرض للتراث اليهودي , وكمتحضر تقدمي مثقف يقبل الدعوة ,,
يدخل متأبطا يدها , يسلم على الموجودين وعلى القائمين على المعرض ( بجنتلية ) واضحة , يتجول في اركان المعرض , مبديا اعجابه الشديد بالتنظيم وبالأجواء الساحرة . لا يكترث بالموسيقى الهادئة التي يتراقص على انغامها مجموعة من العاشقين , مقطوعة موسيقية لسيد درويش طالما سمعها في اذاعة صوت العرب , حاول اخفاء طربه الفطري طالبا من الشقراء اصطحابه الى ( بوفيه الاكلات التراثية ) ,,,,
غطى منظر اطباق ( المجدرة ) على ما سواه , رجع فيه الزمن الى تلك الأيام التي كان يأكل فيها هذه الوجبة ( المتخلفة ) ثمانية ايام في الأسبوع ,,, أحس بألم في معدته وغثيان عندما نظر الى الشقراء تأكل من هذا الطعام بشهية ( طعام جداتها ) ,,,,
اخذت بيده وغاصت به بين جمع من المحتشدين , حيث رجل يضع قبعة سوداء صغيرة على رأسه يحمل بيده ( كاتلوج ) مشيرا بيده الى اختراع تراثي يهودي مصنوع من الحجارة السوداء موضحا للجماهير آلية العمل وكيف ان الحاجة عندهم كانت ام الاختراع ,,,
ترك الشقراء وانسحب بهدوء قبل ان تعمل ( الجاروشة ) فلصوتها صولات وجولات مع اذنيه ,
خرج من المعرض منفجرا بضحكات عالية ساخرة
يردد بصوت مسموع :
صبار ,,, مجدرة ,,, سيد درويش ,,, جاروشه
متخلفون حمقى ,,,,
يسرقون تخلفنا وحماقاتنا ,,,,,