إن الله مع الصابرين
إن الله مع الصابرين
إيمان أحمد شراب
اليوم أتمت خمسا وثلاثين عاما. في صباح ذلك اليوم ، وككل صباح ، وقفت أمام المرآة تحدق في وجهها ، تبحث عن خطوط العمر ، تتحسسها ، تعدها ، تمسدها بيديها لعلها تختفي ، تضع أصابعها بين شعرها تنتقي الشعرات البيضاء وتنتفها .. ترتدي ملابسها ثم تغادر البيت إلى عملها .
تجد سعادتها في عملها ، فهي ذات الخلق الذكية المتميزة النشيطة ، تنجز وتحقق ذاتها من خلال وظيفتها ، تعطيها جل وقتها وطاقتها ، تتفانى ، لا تبخل بجهد أو نصح محتسبة رضى الله ؛ فنجحت نجاحا كبيرا ، وأحبتها الزميلات والرئيسات والمرؤوسات .
لكن هذا النجاح لم يعوضها إحساسها بالنقص لعدم زواجها . فكم ليلة سهرت ، ولسنوات طويلة تفكر في شأنها ، وتتحسر ألما على نفسها ، وكم دمعة سكبت على فراشها لا يراها ولا يسمعها إلا خالقها ، وكم شهقة شهقت في مصلاها تذللا ورجاء في الله أن يجبر كسرها ، ويرزقها بابن الحلال ، فيصبح لها بيتا كغيرها ، ويصبح لها أبناء وبنات تتحدث عنهم وعن تربيتهم ومشاكلهم كما تفعل النساء.
ثم تنام على صوت داخلها يقول لها : اصبري يا أسماء ، اصبري يا أسماء ..
فيرتفع صوتها ردا : والله إنني صابرة ، سنوات وأنا صابرة .. وما الذي أفعله أنا غير الدعاء والصبر ، الحمد لله ، الحمد لله ..
ذات يوم وفي إحدى خلواتها سمعت صوت والدتها ينادي ، فمسحت دموعها ، ووضعت بعض رتوش من زينة على وجهها حتى لا تشعر بها والدتها فتحزن من أجلها ، وخرجت من الحجرة تلبي النداء . جلست إلى جوار أمها وأبيها ، ناولتها والدتها ورقة ، وطلبت إليها أن تقرأها .
سألت أسماء : ما هذا يا أمي ؟
قالت الأم : افتحيها واقرئيها .
فتحت أسماء الورقة بروية وتردد ، وقع نظرها على الاسم في نهاية الصفحة إلى اليسار : (( خلود ))
قالت أسماء : خلود ؟ خلود صديقتي ؟ لقد ماتت منذ عام !!
الأم : أعرف يا ابنتي ، اقرئي الورقة ، وستفهمين كل شيء .
مرت أسماء بعينيها على السطور على عجل لتصل بسرعة إلى حل هذا اللغز .
ما هذا ؟ عادت وقرأتها ثانية وهي ترتجف ، احتضنت الورقة وبكت . احتضنتها والدتها ، ومسح على رأسها والدها وقال : لقد حضر عبد الرحمن زوج خلود - رحمها الله – منذ يومين ، وأحضر معه هذه الرسالة ، ومنذ يومين يا ابنتي ونحن نفكر كيف نفتح الموضوع معك ، نعرف مكانة خلود في قلبك . فكري يا ابنتي ، واستخيري الله ولا تتعجلي في إبداء الرأي .
سألت أسماء : وما رأيك أنت يا أبي ؟
أجاب : أراه رجلا صالحا طيبا .
أسماء : ولكن له من الأبناء أربعا يا أبي !
ردت الأم : أرى أن لا بأس في ذلك ، كلهم صغار ، وهم بحاجة إلى ام حنون تخاف الله ، وأراك كذلك حبيبتي .. على كل حال فكري واستخير الله .
قامت أسماء إلى غرفتها ، فتحت الرسالة ثانية :
أختي الحبيبة ، ذات القلب الكبير الدافئ أسماء :
منذ أن عرفت أنني مريضة بهذا المرض المخيف ، وأنا انتظر الوفاة . أشفقت على أبنائي ، من سيرعاهم ؟ من سيربيهم ؟ من سيحنو عليهم ؟ لابد وأن يتزوج والدهم ، لا بد وان يأتي لهم بأم ثانية ، ولم أجد خيرا منك أما .
أرجوك يا أسماء اقبلي بزوجي زوجا ، وإنه طيب القلب ، عذب الأخلاق ، عصبي أحيانا ، ولكنك ذكية يمكنك أن تتعاملي مع أي مشكلة .
أسماء : إذا أصبحت زوجا لعبد الرحمن ، لا تغاري مني فأنا ميتة ، وفي الجنة سنكون معا زوجتين لرجل واحد كما كنا في الدنيا ، وسنكون جميعا سعداء لأنه لا حزن في الجنة .
أسماء : أوصيك بأبنائي ، من أجل الله ، ثم من أجل راحة قلبك ، ثم من اجلي
أختك خلود
في يوم الزفاف ، أصرت أسماء أن يزفها الأبناء الأربعة .
وبين الحين والحين لسانها وقلبها يدعوان : رحمك الله يا خلود ، وقفت إلى جواري حية وميتة .