عبده باع دجاجاً.. عبده صار جزار
" قصة للكبار والصغار"
ربحان رمضان
كاتب وناشط سياسي
في يوم صادف وقفة عيد، وقف "مستو" بائع الدجاج أمام مخزنه الواقع بين فرع المخابرات وبين لجنة الأمن الوقائي بمواجهة زبائنه الذين تجمهروا في طوابير..
كل ينتظر دوره لشراء فرخة العيد ، فعصر الذرة والعولمة اختصر كل شئ ، وكما تحوّل العالم إلى قرية صغيرة ، تحول خروف العيد إلى فرخة دجاجة يشتريها رب العائلة لأولاده بالمناسبات ..
يخرج الفرخة من القفص بيده اليسار .. يسارع بالسكين على رقبتها بيده اليمين ، فتنتفض الفرخة كما ينتفض معتقلي فرعي الأمن المجاورين " الأمن السياسي ، والأمن الوقائي " أثناء التعذيب ...
ثم يرميها جانبا ً ويأتي بغيرها ..
إلى جانبه يقف عبده ، الفلاح البسيط .. الجبلي الذي جاء المدينة ليعمل في أي عمل يكسبه قوته وقوت عياله ..
يمسك الفرخة من جناحيها ثانية ، يشدها يمينا ً ويسارا ً فيسلخ جلها عن لحمها ، ثم يرميها في الميزان ، ويناولها للزبائن واحد تلو الآخر ..
صاح زبون من وسط الحشد : " إيــه .. شدها مثل ما شدّ أبوك أمك " .
توقف عبده مباشرة ، احمرت عيناه غضبا ً .. تتبع الصوت ، سأل الناس قائلا ً : " من الذي تفضل وقال : " شــد ، وما شد ؟ "
تنطح الرجل المجاور لمن " غلط وصاح " .. قال : أنا .
حدّق به عبده ، عرفه ، فهو عنصر من عناصر فرع الأمن الوقائي المجاور ..
اختصر كلامه إلى الشخص الذي تنطح ، سأله : وهل بيننا مزاح ؟؟!!
انتفخ العنصر وأجاب : " إنها الديمقراطية ، أقول ما أريد بحرية ، من غير مزاح .. هل من جواب ؟ "
اعتذر عبده ، تغير لونه إلى أحمر وأصفر ، أخفض رأسه وانسحب من بين الناس .
بعد عشرين عام .. بعد غياب طويل عاد عبده ومعه شهادة علمية كبيرة ..
ولأن البلد بحاجة لشهادة مثل شهادته وظفوّه في نفس الفرع الذي كان يعمل فيه ذاك العنصر الصغير ..
أصبح سجّان .. !!
في يوم وقفة هذا العيد مرّ بنفس المحل الذي كان يعمل فيه سابقا ً ، رأى " مستو" معلمه القديم يقف مكانه .
يمسك بالفرخة من طرفيها ، يشدّها فيفلقها نصفين ثم يرميها في الميزان ..
انحشر "عبده" بين الناس ، وصاح :
" هيـه .. يا خرى : شد ، مثل ما شد أبي أمك .. " .
إلى هنا ، لم تنتهي الحكاية ..
لها بقية ..
إنها قصة شعب يعاني من قمع ، وافتراء ، وظلم .